المساواة تريح العقل.. والعدل يُنصف الروح

هناء الخويلدي -

في دروب الحياة، لا يكون الإنصاف دائمًا في التشابه، بل في التقدير. فالمساواة تُلبس الجميع رداءً واحدًا، غير آبهة إن كان فضفاضًا على أحدهم أو ضيقًا على آخر، أما العدل، فهو الخياط الحكيم الذي يفصّل لكل قلبٍ لباسه، بحسب مقاسه واحتياجه وظروفه.

ليست العدالة أن نقف جميعًا على الأرض ذاتها، بل أن يُمنح كل واحدٍ منّا السُلّم الذي يعينه على بلوغ سقفه. فالمساواة تُريح العقل… لكن العدل يُنصف الروح. وشتّان بين راحةٍ ظاهرية، وإنصافٍ يعمّق المعنى ويُقيم الميزان.

العدل والمساواة… مفهومان ظاهرهما التشابه، لكن باطنهما يصنع الفرق بين الفهم العميق والسطحي للحياة. فـ المساواة تقول: عامل الجميع بالطريقة نفسها، وزّع الحب والاهتمام والمهام بعدالة رقمية. لكن العدل يهمس في قلبك: لا، انظر أولًا إلى اختلاف الأرواح، إلى تعب الجسد، إلى احتياج القلب، إلى عمق التجربة.

فما يحتاجه أحدهم من دعم، قد يفوق ما يحتاجه غيره، وما يُعدّ كافيًا لشخص، قد يكون ظلمًا لآخر. في الحب، ليست العدالة أن تحب الجميع بالطريقة نفسها، بل أن تفهم ما يعني الحب لكلٍ منهم، أن تُصغي لما يصنع الطمأنينة في داخلهم، وأن تمنحهم منه بقدر حاجتهم، لا بقدر ما تعتقده “كافيًا” وفق مقياس موحّد.

وفي التقدير، المساواة أن تقول للجميع “شكرًا”، لكن العدل أن ترى من سهر، ومن ضحّى، ومن تجاوز نفسه، وتعترف بجميله بما يليق. فليس كل العطاء متشابهًا، ولا كل الصمت يدلّ على الراحة.

حتى في توزيع المهام والمسؤوليات، المساواة قد تُرهق من لا يحتمل، وتُبخس من يستطيع، أما العدل فينظر إلى الطاقة، والظروف، والاستعداد، ويُعطي العمل لمن يقدر عليه، لا لمن يساوي غيره في العُنوان.

وفي العلاقات الإنسانية، قد نُخطئ حين نظن أن العدالة تعني أن نُعطي الجميع القدر ذاته من الوقت والمشاعر، لكن القلوب لا تتشابه، وبعضها يحتاج دفئك أكثر، وبعضها يستمد نوره من نفسه.

وهكذا، حين تفهم العدل فهماً إنسانيًا، تصبح أكثر رحمة في حكمك، أكثر لطفًا في عطائك، أكثر وعيًا في قراراتك. وتدرك أن التعامل العادل لا يعني التماثل، بل الانتباه إلى الفروق الخفية التي تُشكّل إنسانية كل فرد. فالعدل… هو أن ترى الإنسان، لا فقط القانون. أن تسمع الصمت، لا فقط الكلام. أن تُنصف الروح، لا فقط الأرقام.


اكتشاف المزيد من صحيفة جواثا الإلكترونية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى