فلسفة الامتداد والرسوخ

في لحظات الصمت التي تعانق الروح كثيرًا ما أسأل نفسي: هل نحن كائنات تبحث عن امتداد السماء أم عن عمق الأرض؟ هل يكفينا أن نمرّ مرور النسيم على المعارف أم أن فينا شغف الغوص حتى آخر الأعماق؟
بين الأفق الذي يشبه جناح طائرٍ لا يعرف حدودًا والجذر الذي يغرس نفسه في عمق الأرض حتى يلامس سرّها أجدني أسير في مسافةٍ تُشبه جدل الحياة ذاتها هل أكون عابرًا في كل شيء أم غائصًا في شيء واحد؟
أن تعرف شيئًا من كل شيء هو أن تفتح نافذةً على اتساع العالم؛ أن تدرك كيف يجتمع الفلك مع الفلسفة وكيف يلتقي الشعر مع العلم وكيف يتجاور الرمل مع البحر ليصنعا لوحة لا تكتمل إن غاب أحدهما هو أن تكون مثل نهرٍ يمرّ على قرى كثيرة، يمنحها الحياة وهو في طريقه إلى البحر فلا يتوقف عند موضع واحد، بل يترك أثره في كل مكان
لكن أن تعرف كل شيء عن شيء فهو رحلة أخرى رحلة العاشق الذي لا يكتفي بنظرة عابرة بل ينحني على التفاصيل كما ينحني الراهب على مخطوطٍ قديم يقرأه سطرًا بعد سطر حتى يكشف له أسرار الزمن إن التخصّص عمقٌ يهب صاحبه نوعًا من الخلود لأن الجذور وحدها هي التي تجعل الشجرة قادرة على مواجهة العواصف
وفي التوازن بين الاتساع والعمق يولد المعنى الأجمل حين يرتفع الأفق ليعانق الجذر يصبح الإنسان كحديقةٍ تجمع بين اتساع السماء فوقها وعمق التربة تحتها يرى الكل في الجزء والجزء في الكل يدرك أن ذرة الرمل تحكي قصة البحر وأن قطرة الندى تختزن سرّ الغيمة وأن الإنسان في جوهره صورة مصغّرة للعالم
فالمعرفة ليست سباقًا إلى الكثرة ولا انغلاقًا في الوحدة، بل هي نهرٌ يتفرّع من منبعه ثم يعود إلى مصبّه عندها يصبح الوعي أكثر من مجرد معرفة يصبح حكمةً شعرًا يسكن الفكر، وفكرًا يتخذ هيئة الشعر .
اكتشاف المزيد من صحيفة جواثا الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.