التجارب الحياتية التي يعيشها الإنسان عادةً ما تساعده على معرفة أفضل الأدوار التي يمكن أن يؤديها في حياته، لكي يشعر بالسعادة والراحة والسلام الداخلي، فللإنسان الحرية المطلقة في استكشاف قدراته وتطويرها دون قيد.
الاستكشاف والتجربة جزء أساسي من النمو الشخصي والمهني للإنسان، وهو ما يساعده على تحقيق أهدافه وأحلامه، إذ يحق للإنسان أن يجرب ما يشاء في طريق بحثه عن قدراته وإمكانياته أو لتطوير مهاراته وإبداعاته في سعيه لتحقيق أهدافه وما يصبو إليه من تطلعات.
مِن حق الإنسان أن يَحلُم بأن يكون لاعب كرة قدم بارز، ويسعى لتحقيق هذا الحلم بكافة الوسائل المتاحة، وأن يجرب جميع الطرق ليصقل بها مهاراته، وإن لم تكن لديه أيَّة بذرة من بذور الاستعداد لخوض مثل تلك التجربة.
من حقه أن يجرب أن يكون رسَّاماً، أو كاتبًا، أو ممثلاً، أو غير ذلك، فمن فوائد التجربة أنها تمكن الإنسان من التحرر من الأفكار والمعتقدات القديمة التي قد تكون مقيدة وتحجب رؤيته عن حقيقة الأمور، وأيضا تمكنه من تطوير أفكار جديدة متناسبة مع الحقائق الحديثة التي يكتشفها من خلال تجربته الذاتية الحيّة، كما أنها تساعده على التحليل الذاتي ومراقبة الذات لفهم نفسه بشكل أفضل وتعديل أفكاره وسلوكياته بناءً على هذا الفهم، فالإنسان يحق له تجريب أيَّة فكرة تطرأ على ذهنه في حدود ذاته، وإن لحقه بعض الضرر منها، ولكنه حريص أن لا يتضرر الآخرون منها قدر المستطاع.
فذلك الزوج الذي مضى على زواجه الأول فترة من الزمن، طالت أو قصرت، وبفعل التجاذبات اليومية بينه وبين زوجته، نشب اختلاف بينهما، تباعدت المخاد على أثره، وتجافت القلوب، وتطوّر إلى خلاف، واشتدت عواصفه ورَعُدت حتى بلغ أقصى شدته بينهما.
وحصل أن طلبت الزوجة الانفصال وإخلاء سبيلها من الارتباط به، فالحياة بينهما أصبحت لا تطاق، وقد فكر الزوج مراراً وتكراراً في الأمر، ثم اهتدى إلى فكرة اعتبرها (جهنمية)، وذلك أنه فكّر بأن يجرّب حظه في التعدًُد، فيتزوج من امرأة أخرى، لعل زوجته الأولى تغار منها، ويدفعها حب التملك إلى إصلاح ما فسد بينهما من خلافات، وإذا اشترطت عليه أن يطلق الثانية في سبيل أن تعود إلى عشه، ولتبدأ صفحة زوجية جديدة معه! سيفعل ذلك.
بالفعل، كانت فكرة جهنميّة، لأنها ستكون سبباً في اكتواء إنسانة بريئة، فكل ما فعلته أنها وثقت بإنسان ظنته رجلاً كما يظهر لها ولغيرها من مواصفاته، لكنه ليس كذلك! فقد تقدم لها لإبرام عقد أقدس مشروع أحله الله بين الرجل والمرأة، والذي من أهم مقومات نجاحه صدق النية في الاستمرارية والاستقرار، وليس تَبْْييت النية بالتخلي عنه والتنكر له في حال تحققت بعض المآرب الباطنية التي تخدم طرفاً انتهازيا في العلاقة.
هذا مثال يتكرر مع بعض التفاصيل المشابهة في حالات بطلها أشباه الرجال للأسف الشديد، وضررها لا يقتصر على الضحية المباشرة (المطلقة الثانية)، بل الضرر يعم الجميع، فهذه النماذج السيئة تضعف الثقة بين الناس، ويتردد الأهالي في تزويج كريماتهم، فتسود الظنون وتحكم، وتختفي الثقة وتضمحل.
أيها الزوج تريث قليلا، إن الفكرة التي فَكرت بها فكرة شريرة ومضرة، وكان الأجدر بك أن تبحث عن طرق أخرى لحل مشاكلك مع زوجتكَ الحالية بدلاً من اللجوء إلى حلول سيئة وغير مسؤولة، وتفضح حجم الاستهتار واللامبالاة في قراراتك، إذ يمكن تجربة الحوار الصريح المفتوح، وكذا الاستعانة بمساعدة احترافية من قبل أخصائي بالاستشارات الزواجية للنظر في تفاصيل حالتك الخاصة، ومن ثم اقتراح حلول بناءةً ومستدامةً.
للأسف الشديد، قسم من الرجال يعتقدون أن الزواج الثاني حق مطلق لهم، أياً كان وضعهم المادي والاجتماعي وتأهيلهم الشخصي، وهذا غير صحيح، بل لابد أن ينظر المرء ويقدّر ويتأمل في وضعه وقدراته ومن ثم يأخذ قراره.
إن من شروط التعدُّد العدل، وقد أجمع الفقهاء على أن العدل بين الزوجات يجب أن يكون في أربعة أمور، وهي: (القسمة): توزيع المبيت بين الزوجات، و(النفقة): توفير المعيشة والمصروفات اللازمة، و(الكسوة): توفير الملابس والمستلزمات الضرورية، و(السكن): توفير سكن مناسب، فإذا لم يكن الرجل قادراً على توفير هذه الأمور للزوجات بالتساوي، فذلك مؤشر على عدم أهليته للتعدُّد، وقد يتسبب في إيقاع الضرر والظلم بالزوجات والأسر.
إذا كان الرجل محباً لزوجته وراضياً عنها، ويشعر بالرضا والراحة الجنسية معها، فعليه ألا يفكر في التعدُّد.
فيا أيها الرجل اتقِ الله، فبنات العائلات الكريمة ليست تجارب لك لإصلاح ما فسد في حياتك الزوجية الأولى، فوصية الرسول صلى الله عليه وآله لمعشر الرجال: “استوصوا بالنساء خيراً”.