أول خطوة نخطوها إلى الرواية، نقع في اكتشاف فعل التجريب، ذلك الفعل الذي يرتكز على إجراء التجارب بالاعتماد على وسائل وقوانين وأسس مهمة معروفة مسبقاً للحصول على نتائج مفيدة مستقبلا، منها الاعتماد على بيانات دقيقة جلية واضحة الرؤية يمكن الحصول عليها قبل السير لمعرفة نتائجها في العمل. نعم العمل وفق معرفة وتخطيط يأتي بنتيجة سليمة، ربما تكون النتيجة المتوخاة تماماً، ربما تكون أقل منها مستوى بأقل الخسائر، وإن أخفقت أو فشلت فشلاً تاماً، تبقى مسألة التوجه الإيجابي لصاحبها نحو “الإخفاقات” هو من سيحدد ذلك. أي إذا كانت عنده القواعد الأساسية وهو يعرفها معرفة تامة وإلى جانبها هو ينظر إلى الاخفاق على أنه مجرد تجربة، فكرر المحاولة، فإنه في كل مرة سيقلل عدد احتمالات الفشل، وستزيد أحتمالية النجاح لديه.
إلا أن ساردة رواية (حياة في الظل)، تركت شخصيتها الرئيسة (حنين) تحاول التجريب من شرفة الحظ، أي أنها تعمل من دون حصولها على أية معلومة مسبقة عن الطريق الذي ستسلكه.. لذا ماذا كان عليها أن تفعل؟!!.. جعلتها تجرب وتجرب وتجرب، كطفلة لها طريقتها الخاصة التي تستخدمها لإكتشاف الشيء الذي يقع بين يديها، لعلها تصل بها إلى نتيجة ما جيدة، رغم الكثير مما تتعرض له من صدامات وعوائق، وعند تلك النتيجة، تأخذ القرارات وتكمل بذات النهج.
الساردة، جعلت (حنينا) بمعيتة صديقاتها، يحاولن التجريب في صنع شبه تابوت، يكون بمثابة قبر للموتى، تضطجع فيه إحداهن، يغلق عليها، ثم تخرج وتعطي النتيجة. كما جعلتها بفعل التجريب، مس فعل الكتابة، بحيث تركت الساردة (حنينا) تقدم على كتب فكرة ما، رغم أنها تعلم أن هناك الكثير ممن كتب فيها، ولم تطلع عليها لتوخي التشابه والتماثل والتكرار، إلا أن فعل المغامرة الذي زرعته في قلب حنين وإختمار فكرة أنه لكل كاتب أسلوبه ونظرته وزاويته الخاصة وإن لم يطلع على فعلهم، زودتها بروح الإقدام الأقصى للفعل.. لذا ما كانت نتيجة الفعلين (التابوت /الكتابة)؟..
وهكذا جرت بقية الأحداث، في الرواية، بهذا النهج التجريبي، نهج (الحظ) على أنه ربما تأتي النتائج طيبة، صدفة.. إذ غدت حنينا بشخصيتها المفترضة، تفرض ما تريده فقط، على نفسها وعلى الآخرين بعمل كذا وكذا، كيفما أتت ردة فلعلها وفقا لنفسيتها ومزاجها الآني، والغريب أنها بهذا النهج غير السليم، تود أن تغير واقعا لا ترغبه، فرض عليها، بل وتحقيق مستقبلا تريده هي لا الذي تريده أسرتها بما اتكأت عليه من قوانين وأعراف وتقاليد تراها غير صحيحة ناتحة عن مجتمع تعيشة.. لذا ما كانت نتيجة فعلها هذا؟!!.
النتائج مدهشة وغريبة، ليست فقط نتيحة عدم فعل التخطيط والمعرفة، بل مستندة إلى أفعال وظروف أخرى، منها ما هي في شخصية (حنين) ذاتها، كسب، وإرث، ومنها آني لحظي قوبلت به وفرض عليها قسراً.. مثل ماذا؟.
أتوقف هنا، بالإشارة إلى أن أحداث الرواية خرجت من رحم حب بل عشق حنين للقراءة والكتابة، هو الخط العريض لها، تغنت بهما، وغامرت من أجلهما، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، لكنها أبقت لي سؤالاً هاماً هو: ماذا قدمت للكتابة من رؤى وأفكار بين تلك الأحداث، يمكن للقارئ معرفتها أو لمحب أو هاوي الكتابة الأخذ بها والاعتماد عليها في مسيرته الكتابية؟!!..
للإجابة على هذا السؤال ولمعرفة نتائج التجارب السابقة وغيرها.. أترك للقارئ النهم المتشوق للإكتشافات قراءة الرواية على مهل واكتشاف ذلك وربما أكتشف شيئا لم أكتشفه.
شكراً بالغة للكاتبة الأستاذة: سلمى عبدالواحد الحاجي، الأحساء. على إهدائي روايتها(حياة في الظل)، الصارة عن دار راوي، ١٤٤٣هـ، ٢٠٢٢م.