
يأتي الحديث في هذا المقال عن الألحاد ليضعنا على أعتاب الوعي بمستقبل الألحاد على خارطة العالم خلال السنوات القادمة مستشرفاً مدى التأثير والتمدد الواسع للمعتقدات اللادينية عالمياً وما سوف يؤول إليه واقع الأمم والمجتمعات الإنسانية في مستقبل الأيام من تحولات في اعداد المنتمين للأديان وتحولهم إلى اللادينة لاسيما أن الألحاد ليس ظاهرة محدودة عابره كما صورها كثيرمن الكتاب أو موجه محدودة معرضه للزوال .
ولايصدق أطلاق مسمى ظاهره على الألحاد الجديد كما وصفها بعض المثقفين بحسب المفهوم الدقيق للظاهرة فلا يمكن أن تمتد الظواهر لقرون متعاقبه وأنما الوصف الدقيق للألحاد الحديث يتضح بأنه موقف تاريخي أنفعالي وتحول من منظري الفكر الغربي على تخرصات سلطة الكنيسة الدينية الأوربية إلى فكرمتنامي وعمل مؤسسي منظم يهدف إلى نشر فكروثقافة اللادينية وتقليص مساحات الأديان في الأوطان .
ويشارإلى أن ثمة مؤسسات عالمية ترعى الإلحاد و ترعى الملحدين والتي من ضمنها التحالف الدولي للملاحدة ورابطة الملاحدة ، والرابطة الدولية لغير المتدينين والملحدين ، حتى قيل إن بعضها تعطي مساعدات مالية كبيرة للمنظم فيها حسب فاعليته تصل الى 350 دولار شهريا.
ويذكر أن تبلور مصطلح الإلحاد بدأ بعد انتشار الفكر الحر والتشكيك العلمي خصوصًا فيما يتصل بعالم ما وراء الطبيعة وتنامي نشاط التيارات الفكرية في نقد الأديان حيث مال الملحدون الأوائل إلى تعريف أنفسهم باستخدام كلمة ملحد في القرن الثامن عشر في عصر التنوير والدفاع عن سيادة العقل البشري .
واستناداً إلى كارين أرمسترونغ في كتابها تاريخ الخالق الأعظم فإنه ومنذ نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن التاسع عشر ومع التطور العلمي والتكنولوجي الذي شهده الغرب بدأت بوادر تيارات أعلنت استقلالها عن فكرة وجود الخالق الأعظم وهذا العصر كان عصر كارل ماركس وتشارلز داروين وفريدريك نيتشه وسيغموند فرويد الذين بدأوا بتحليل الظواهر العلمية والنفسية والاقتصادية، والاجتماعية، بطريقة لم يكن لفكرة الخالق الأعظم أي دور أو ذكر فيها.
وقد كان نتاجا لكل ذلك أن خرج بعض الكتّاب من عباءة الدين بالكلية، فلم يكتفوا بالنقد العقلي مع البقاء على الإيمان بالإله كما كان الحال مع جون لوك وديكارت واسبينوزا، وإنما اتجه البعض صراحة لإعلان إلحاده الكلي كـالبارون هوليباخ، الذي كان أول من ألّف كتابا مستقلا في ذلك الشأن في أواخر القرن الثامن عشر، معلنا نفسه كما يقول باومر عدوا شخصيا للإله وقد تبعه في ذلك فيورباخ في القرن التالي، والذي نادى بتقديس الوجود الإنساني والطبيعة وجعلها مركزا للتفسيرات.
وفي العصر الحديث، بدأ الملحد الغربي في النقد الديني شراسه حديثة، جادًّا مرة ومستهزئا أخرى حتى يقول بول هازار إن القرن الثامن عشر أراد أن يمحو فكرة الاتصال بين الإله والإنسان ثم أتى القرن التاسع عشر بهجمته الكبرى، فتقول عنه كاريت آرمسترونج ما من مجتمع قد استأصل الدين الذي كان الناس يقبلونه بدهيا كإحدى حقائق الحياة، ولم يحدث ذلك إلا نهاية القرن التاسع عشر، عندما وجدت حفنة من الآدميين أن من الممكن إنكار وجود الله .
وشهد القرن العشرين صراعاً فكرياً واسعاً بين الفكر الإسلامي والفكر الإلحادي وهزم الإلحاد في نهاية القرن العشرين ثم عاد للظهور من جديد بوجه مختلف عن موجة الإلحاد العلمي التي طالعتنا في أواسط القرن العشرين.
وفي مطلع القرن المعاصر للواحد والعشرون فأن الإلحاد الأوروبي طور المواجهة الفكرية مع الفكر الديني وأختلف طرح الإلحاد العلمي عن السابق وأستخدم بعض المفكرين العلمانيين فكرة التركيز على جعل الإلحاد يرتقي الى مستوى فلسفة مستقلة لها تطبيقات تطرح بموضوعية وتعرض بأسلوب البحث العلمي وهذا تحدي فيه تأثيركبيروتضليل واسع لعقول البشر وبالأخص المنتمين للفكر الديني
ولا يزال هذا الصراع الفكري محتدم بين الفكر الديني والفكر الإلحادي الا الفكر الأخير له حضوراً قوياً عالمياً لم يشهد له مثيل في المحافل الدولية والأوساط الثقافية والاجتماعية ويمتلك قدرات كبيره حتى بات طرح الأفكار الإلحادية المضللة والمنحرفة منتشر في وسائل الأعلام المشاهدة والمسموعة والمقروءة في القنوات والندوات والكتب ومواقع النت الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعية .
ووفقًا لدراسات علمية منشوره ، فإن معدلات الإلحاد هي الأعلى في أوروبا وشرق آسيا40% في فرنسا، و39% في بريطانيا، و34% في السويد، و29% في النرويج، و15% في ألمانيا، و25% في هولندا، و12% في النمسا أجابوا أنهم لا يؤمنون بوجود أرواح أو آلهة أو قوة خارقة، وجاءت النسب أعلى لمن عبروا عن إيمانهم بوجود روح أو قوة ما وهؤلاء يطلق عليهم لادينيين أو لاأدريين. بلغت النسب في شرق آسيا 61% في الصين و47% في كوريا الجنوبية بينما تعد اليابان حالة معقدة إذ يتبنى الفرد الواحد أكثر من معتقد في وقت واحد. في أميركا الشمالية، 12% في الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم ملحدين و17% لا أدريين و37% يؤمنون بوجود روح ما ولكنهم لا دينيين. و28% في كندا.
ويقدر مركز بيو أن نسبة الملحدين حاليا من اجمالي عدد سكان الكرة الأرضية إلى 13 في المئة رغم تزايد عددهم الإجمالي من 1.17 مليار في 2015 إلى 1.2 مليار في عام 2060 .
ويعد اللادينيون في الولايات المتحدة هم الأكثر انتشارًا وشهدت كل من كندا وأستراليا وأجزاء كبيرة من أوروبا زيادة كبيرة في أعداد اللادينيين، حيث من المتوقع أن تكون أكبر توسعا من خلال التحول الديني لصالح الإلحاد بحوالي 61 مليون، ويليه الإسلام بحوالي 3 مليون من حيث الأعداد المطلقة، يبدو أن اللادينية جنباً إلى جنب مع العلمنة عموماً في تزايد وفقاً لمسح مركز بيو للأبحاث
والحقيقة الموضوعية بأن منظري الفكر الإلحادي لم يسعوا إلى التحقق المتجرد والجاد من فكرة وجود الإله في البحوث العلمية التي ترتكزعلى الدلائل والبراهين الصادقة ولكنها بحوث هزيلة لها ارتباط بموقف وحكم مسبق ينفي حقيقة وجود إله منذو بدايات تشكل فكر الألحاد في القرن الثامن عشر وحتى تدرج هذا الفكر في القرن التاسع عشر والقرن العشرون وتناميه في القرن الواحد والعشرون فليست هناك حقائق علمية منطيقة مثبته أو بحوث جادة موضوعية طرحت من الملحدين الغربيين بني عليها حقيقة تؤكد وتثبت عدم وجود إله ، اذا هذا الألحاد الجديد كان ناتج عن انفعال عاطفي بني على فكر تراكمي لتحقيق تحرر العقل البشري عن وصايا الدين المتمثل في الكنيسة الأوربية لفصله عن شؤون الحياة العامة تمهيداً لتقديس وصاية العقل الملحد علي البشرية ، وهذا ماسوف يتجلى في المجتمع الإنساني الكبير مستقبلاً .