لا تخلو حياتنا اليومية من وقائع وأحداث، منها ما يرتب أثار قانونية كإكتساب حق، أو ترتيب التزام، أو تغيير مركز قانوني، إذ تعد هذه الوقائع هي السبب وراء اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات.
والواقعة القانونية تختلف عن القاعدة القانونية وعن الحق أو الأثر القانوني، فالواقعة هي مصدر الحق أو قد تكون المنهية للحق، وقد تنصرف الواقعة ليس فقط إلى وجود الحق أو زواله بل أيضاً إلى نقله وتعديله.
أما القاعدة القانونية فهي النص النظامي الذي يكفل للشخص حقًا إذا حدثت واقعة ما، أما الأثر القانوني فهو النتيجة المترتبة على هذه الواقعة.
ويمكن القول بإن الواقعة هي سبب نشوء الحق، تستمد قوتها من القاعدة القانونية، وبالتالي تنتج الأثر القانوني وهو الحق المدعى به.
ولا يمكن للشخص أن يثبت الحق أو الالتزام أو أن يثبت الأثر القانوني، ولا عليه أن يثبت النص القانوني الذي يقرر الحق له، وإنما ينصب الاثبات على الواقعة القانونية التي أدت إلى نشوء هذا الحق، فهي مصدره وسببه، والتي قد تكون عقداً، أو إرادة منفردة، أو عملاً غير مشروعاً، أو واقعة طبيعية.
والواقعة قد تكون أحد نوعين، أولهما واقعة إيجابية وذلك إذا كانت الواقعة تقتضي القيام بعمل معين، وثانيهما الواقعة السلبية وهي تلك الواقعة المتعلقة بالامتناع عن القيام بعمل معين.
لذا وحتى يثبت الشخص حقه، يجب عليه اثبات الواقعة القانونية المنتجة لهذا الحق، ولهذه الواقعة المراد إثباتها شروط معينة، يجب أن تتوفر حتى تعد صحيحة ومحل اثبات، ومنتجةً لأثرها، وهي الشروط التالية:
– أن تكون الواقعة محل نزاع:
يجب أن تكون هذه الواقعة المراد إثباتها منظورةً أمام القضاء، وأن يكون هناك نزاع قائم حولها من قِبل أطراف الخصومة، فالهدف من إثباتها هو إظهار حقيقة الواقعة المتنازع عليها، فإن لم يكن هناك تنازع حولها، وسلم بها المدعى عليه، فلا نكون بحاجة للإثبات.
– أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى:
يقصد بهذا الشرط أن تكون الواقعة محل الإثبات مرتبطة بالحق المدعى به، أو بعبارة أدق مرتبطة بمصدر الحق المدعى به، ويعني ذلك أن إثباتها يؤدي إلى إثبات ما يدعي به الشخص، سواء بصورة كلية، أو بصورة جزئية، والذي يقدر مدى تعلق هذه الواقعة بالدعوى هو القاضي، وهي سلطة من سلطات القاضي لا يخضع فيها لرقابة من المحاكم الأعلى.
– أن تكون الواقعة المراد إثباتها منتجة في الدعوى:
ليس بالضرورة أذا كانت الواقعة متعلقة بالدعوى أن تكون منتجةً فيها، وتكون منتجة فيها إذا استطاع القاضي أن يؤسس حكمه في كون المدعي محق فيما يدعيه أو ليس له الأحقية في دعواه، وبمعنى أخر أن تكون مؤثرةً فيها نفياً أو إثباتًا.
– أن تكون الواقعة المراد إثباتها محددة على وجه الدقة:
أي أن تكون لواقعة محل الإثبات محددة تحديداً نافياً للجهالة، وإلا تعذر إثباتها، فلو إدعى شخصًا أن مصدر الدين هو عقد بينه وبين خصمه، يجب أن يحدد ماهية هذا العقد كبيعٍ أو إيجار، أو إذا أدعى أنه مالك لشيء فإنه يجب عليه أن يحدد سند ملكيته، كما أن موضوع تحديد الواقعة وتعيينها تعيين نافي للجهالة من الأمور التي تخضع لسلطة القاضي، دون أن يكون للمحكمة العليا رقابة على تقديره.
– أن يتمسك أحد الأطراف بالواقعة:
ويعني ذلك أن يطرح أحد أطراف الخصومة هذه الواقعة، وأن يتمسك بها، ولا يجوز للقاضي أن يطرح أو يحقق في واقعة لم يطرحها أحد الأطراف أمامه، وإذا فعل غير ذلك عُد هذا خروجاً عن طلبات الخصوم، ويعد قد خالف القاعدة التي تقضي بأن القاضي لا يستطيع أن يقضي بما لا يطلبه الخصوم، أو بالزيادة عن طلباتهم.
– أن تكون الواقعة المراد إثباتها مشروعة (جائزة):
لا يكفي أن تكون الواقعة المراد إثباتها محل نزاع ومتمسك بها أحد الأطراف، وأن تكون محددة ومتعلقة بالدعوى ومنتجةً فيها، بل يجب أن تكون مشروعة، وجائزة نظامًا، ويقصد بذلك ألا تكون مخالفة للشريعة الإسلامية، أو للنظام العام في الدولة، كمن يدعي أحقيته في مالٍ ناتج عن علاقة تعاقدية محلها بيع مواد غير مشروعة، كما وأن هناك وقائع جائزة القبول، ولكن يحظر النظام قبول دليل على إثباتها، وذلك في حال كان إثباتها يرتب إفشاء أسرار الوظيفة أو المهنة، وقد تكون الواقعة مشروعة وجائزة ولكن لا يمكن إثباتها إلا بطرق معينة فرضها النظام، كأن يشترط إثباتها بالكتابة.
– أن تكون الواقعة المراد إثباتها ممكنة الوقوع:
إضافة إلى الشروط السابقة، يشترط في الواقعة أن تكون ممكنة الوقوع، أي من الممكن أن تحدث، فلا تخالف المنطق والعقل والحس، فإن كان المدعي يريد إثبات واقعة غير ممكنة الوقوع، وتتنافى مع العقل فإنه لا يعتد بها، وهناك فرق بين استحالة الوقوع أي عدم إمكانية وجود الواقعة أصلاً، وبين واستحالة الاثبات بمعنى أن الواقعة موجودة ولكن من غير الممكن إثباتها.
ومثال على استحالة الوقوع، كأن يدعي شخص بنوة شخص أخر أكبر منه سنًا، أو أن يطلب شهادة شخص في واقعة تسبق ميلاده.
ختاماً إذا توفرت هذه الشروط فإن في الواقعة المراد إثباتها، فيكون من حق المدعي بها أن يتمسك بها ويثبتها، ولا يمكن للقاضي رفض إجابة طلب المدعي، وإن لم يجيبه القاضي عُد حكمه مشوباً بعيب يستوجب الطعن عليه.
طالبة قانونية