
ان ما أصاب العالم اليوم من احداث و أمراض كفيروس كوفيد19 وجعل العالم يعاني اليوم من الخوف والجزع والهزة الاقتصادية العالمية بسببه وتغير عاداتنا وسلوكنا الاجتماعي والسياسية والاقتصادية والتخبط بمعرفة سلوك هذا الفيروس وطرق انتقاله وعلاجه وفرض الحظر في المنازل وقطيعة الأهل والأصدقاء والاحبة من الناس وفقد اعز الناس وانهيار المنظومات الصحية العالمية وبكاء الطواقم الطبية من عظم ما شاهدوه من احداث تقع امامهم يوميا في انحاء العالم المتطور والمزود باحدث التقنيات والتطور العلمي العالمي امام فيروس لا يشاهد بالعين المجردة ولا يستطيعون السيطرة عليه بكل ما يملكونه من قوة وثورة عليمة وتقنية أصبحت ضعيفة مهزومة امام هذا الفيروس الصغير الذي لا يملك الحياة ، ولابد ان نعي بان هذا الفيروس تحدي من الله عز وجل للعالم يبين لهم قوته وقدرته وانه يمهل ولا يهمل.
ويجب ان نتعظ ونعي من حولنا سنة الله في الكون بان الموت حق وانه لابد ان نتحمل هذه الأوضاع ونتقبلها ويكون لدينا أمل بان القادم افضل ولابد ان نعود انفسنا على التأقلم على هذه الأوضاع الجديدة والصبر على الأبناء بالمنزل ولفترة زمنية محدودة باذن الله عز وجل ، ولابد ان يكون لدينا يقين بان هذه الظروف فيها مصلحة العالم اجمع فالله عز وجل حكيم لا يصدر منه الا الحكمة والمنفعة والمصلحة لنا ولابد ان تكون هذه المصلحة من قبل الله عز وجل العالم بأحوالنا وهو الأقرب لنا من حبل الوريد.
ففعله عدل وحكمة ولن يصيبنا الا ماكتب الله لنا وما كتب لنا لن يكون ضدنا بل لظهار حقيقة مغيبة عن البشرية يكون فيها عطائه اكثر واجزل مما نتوقعه.
بالمقارنة بالحظر والبقاء بالمنازل الذي نعيشه هذه الأيام ولله الحمد تتوفر لنا المسكن والاكل والشراب والعلاجات والامن والأمان والمأوى المناسب والمكيف والمريح وراحة البال بعكس بعض الدول والأماكن الأخرى.
ولنا الاسوة الحسنة بالنبي محمد صل الله عليه واله ففي السنة السابعة من البعثة النبوية بعد ان ياس قريش ومشركي مكة من ثني النبي عن دعوته للأسلام وعجزهم عن قتله صل الله عليه واله، اجتمع كفار قريش وعلى راسهم ابي لهب في دار الندوة وقرروا حصار بني هاشم وعلى راسهم النبي محمد صل الله عليه واله في شعب ابي طالب ( وادي مقابل الكعبة في منطقة بين جبل ابي قبيس وجبل حنتمة) وما كان من عمه – أبو طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم أحد سادات قريش ورؤسائها وأبطالها، ومن أبرز خطبائها العقلاء وحكمائها الأُباة، وشعرائها المبدعين، وعرف برجاحة العقل والحكمة، إلى جانب الشجاعة ، و الكرم والسخاء، والبلاغة و الفصاحة، فكان زعيماً مقدَّماً، مُهاب الجانب، عزيز المنزلة، كَفَل رسولَ الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاة جدّه عبدالمطّلب، وأحبّه حبّاً خاصاً، وقدّمه على جميع أولاده- والذي جمع بني هاشم كلهم مؤمنهم وكافرهم معه في الشعب لحماية النبي صل الله عليه واله والتصدي من وصول قريش اليه وقتله واخذ بتوزيع الحراسة عليهم وتغيير مكان نوم النبي الأعظم (ص) كل ليلة بل حتى في اللية الواحدة يغير مكان نوم النبي اكثر من مكان ليمنع وصول المشركين له وقتله ووضع الحراسة على الشعب لمنع المشركين من الدخول للشعب والغدر بالنبي محمد صل الله عليه واله ، ومن ضمن الاتفاقية قررت قريش انه من يخرق الحصار يكون مهدور الدم.
فحصار بني هاشم بالشعب كان اشد مما نتصوره فمنع الاكل والشراب والبيع والشراء لمن في الشعب والتضيق عليهم ووضع الحرس والجواسيس لمنع وصول أي شيء لهم او وصلهم او تزويجهم او الزواج منهم وعملوا عليهم مقاطعة تامة ، وقد بلغ الجهد بالمحاصرين من بني هاشم ومنهم النبي صل الله عليه واله والسيدة خديجة وعمه ابو طالب الجهد والنصب والجوع والتعري و كان يسمع أصوات النساء والاطفال يصرخون من شدة ألم الجوع، مما اضطرهم إلى أكل أوراق الشجر، بل وإلى أكل الجلود، وتقطعت عليهم ملابسهم وبان عليهم الضعف والنحالة في الأجساد بما فيه النبي الأعظم محمد صل الله عليه واله وقد خافوا عليه من الموت من شدة ما الم به ولكنه ما برح فيهم يدعوهم الى الله عز وجل ويذكرهم رحمته وفرجه ويحثهم على الصبر ويشد من ازرهم ويصبرهم ويبعث في نفوسهم الحياة والأمل، وقد ظل هذا الحصار و المأساة البشرية طيلة ثلاث أعوام كاملة، ثلاث سنوات من الظلم والقهر والإبادة الجماعية ، وكان النبي صل الله عليه واله صابرا محتسبا تارك الامر الله عز وجل يجري الأمور بحكمته وارادته ، ولم يسال الله ان يرفع عنه البلاء او ينزل عليهم مائدة من السماء ليمحص المؤمنين ويقوي ايمان المؤمنين في الله عز وجل ويزدادوا صبرا واحتسابا ويمحصون لأن النصر لا يأتي هكذا سريعا سهلا يسيرا بل لابد من الصبر والثبات والتضحية وبذل الغالي والنفيس وعدم الياس وتجديد الأمل في كل لحظة.
فالنصر والفرج يتطلب التمحيص و الصبر والثبات وعدم اليأس وتواجد الأمل في النفوس باستمرار وفي كل اللحظات وقد تضمنت قصيدة ابو طالب الشامخة – والتي عرفت بلامية ابي طالب- المكونه من 111 بيتا وقيل 120 بيتاً قالها في أيام الحصار حيث تضمن الحصار واسبابه وانه لن يتخلوا عن نصرة النبي مهما حصل والنتيجة التي كانوا يتوقعونها وسيصبرون من أجلها وانهم سيضحون دون النبي بكل ما يملكون وذكر قريش وافعالهم الشنيعة بالإسلام والمسلمين ، وابوطالب له مواقف كثيرة بالحفاظ والدفاع عن النبي محمد صل الله عليه واله منذ طفولته ،ومن ضمن ما قاله في قصيدته الامية المعروفه والتي اقتبسنا منها الابيات التالية :-
وأَحْضَرتُ عندَ البيتِ رَهْطي وإخْوَتي وأَمْسَكْتُ من أثوابِهِ بالوصَائلِ
قياماً معاً مُستَقْبِلينَ رِتاجَهُ لدَى حيثُ يقضِي نُسْكَهُ كُلُّ نافِلِ
أَعُوذُ بِرَبِّ الناسِ مِن كُلِّ طاعِنٍ علينا بِشَرٍّ أو مُلِحٍّ بِباطِلِ
ولكِنَنا نَسلٌ كِرامٌ لِسادَةٍ بِهم يَعتلي الأقوامُ عندِ التَّطاوُلِ
سَيَعلِمُ أهلُ الضِّغْنِ أَيّي وأَيُّهُم يَفوزُ ويَعلو في لَيالٍ قَلائلِ
وأيّهُمُ مِنّي ومِنهُم بسيفِهِ يُلاقي إذا ما حانَ وقتُ التنازُلِ
ومَن ذا يَمَلّ الحَربَ مِنّي ومِنهُم ويُحمَدُ في الآفاق في قولِ قائلِ
فأصبح منّا أحمدٌ في أُرُومَةٍ تُقَصِّرُ مِنها سَورةُ المُتطاولِ
كأنّي بهِ فوقَ الجِيادِ يَقودُها إلى مَعشَرٍ زاغُوا إلى كُلِّ باطلِ
وجُدْتُ بنفسِي دُونَه وَحَمَيتُهُ ودافَعتُ عنهُ بالطُّلى والكلاكِلِ
وكان حكيم ابن اخت السيدة خديجة هو الوحيد من يستطيع الدخول الى الشعب و يدخل اليهم بعض الطعام بجنح الليل المظلم وكان يشتري كميات محدودة من الطعام بمبالغ خيالية من أموال خالته ام المؤمنين خديجة ، وما ان حان الفرج اخبر الوحي النبي محمد ( ص) بان الرقاع الذي كتب في الحصار الموجود بداخل الكعبة اكلته الأرض ولم يبقى منه الا الرقعة المكتوب عليها ( بسمك اللهم ) واخبر عمه وكافله أبو طالب بالخبر فخرج أبو طالب الى القوم واخبرهم بالخبر وقال لابي لهب وقريش ان كان هذا صحيح ترفعون الحصار والم يكن صحيح نسلمكم النبي محمد الذي لم يعرف عنه الكذب في كل حياته.
فعلاً ذهبوا للرقاع بداخل الكعبة ووجدوا الرقاع مأكول ولم يبقى منه سوى الرقعة المكتوب عليها (بسمك اللهم) ، ورفع الحصار عن بني هاشم ونشاهد ما ناله النبي صل الله عليه واله وانصاره من العزة والنصر والفتوحات على يديه بعد ذلك.
وكذلك أنبياء الله السابقين كالنبي أيوب الذي أصابه المرض والجوع الى ان فرج الله عنه وعوضه هو وأهله بما لم يتصوره عقل بشر.
فلنصبر ونصابر غيرنا الى ان يفرج الله عنا ويعوضنا اضعاف ما نتمناه ونتوقعه ان شاء الله.
ولابد ان يقف بعضنا جانب بعض بتلمس حاجات أهلنا وأقاربنا وجيراننا ونمد يد المساعدة للمحتاجين منهم وندعمهم ما نستطيع.
ويجب ان نشارك المجتمع همومه وافراحه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي المتوفرة للجميع تقريبا.
لابد لنا من تحمل المسئولية التي تجب علينا تجاه الوطن أولا والمجتمع المحيط بنا واهلنا وتجنب انتشار والحد من العدوى بالبقاء بالمنازل واتباع الإرشادات الطبية العلمية في مكافحة الفيروسات.
والأهم في هذه الأوضاع مراجعة النفس ومحاسبتها وإصلاح ما تهدم بيننا وبين الناس وخصوصا الأهل والتسامح فيما بيننا وبناء العلاقات الجيدة بالتسامح والعفو عن الاخرين ، والرجوع الى الله عز وجل والخشوع له في العبادة والخضوع له بالطاعات ، والتضرع له برفع هذا الوباء عنا ويحفظنا من كل مرض.
1 ping