النقيضان هُما ..جمعتهما الأقدار في قارب واحدٍ بليلةٍ ظلماء رِيحُها عاصف .. في بحرٍ لُجّيٍ يغشاه موجٌ من فوقه موج … يجلس أحدهما مُتكئاً بظهره على مقدمة القارب ،وساعديه خلف رأسه يضحكُ ملئ شِدقيه غير عابئٍ بما هم فيه .. ويسخر من صاحبه
ذلك الساخط الهلِع الخطر محدقٌ به ، والخوف يقلبه بين قبضتيه يتصبب عرقاً يحارب البحر بمجداف لم يُغني عنهما من غضبة البحر شيئا ، أمواجه تصفع القارب على خديه والريح من حولهما تعوي عواء الذئاب حول فريسةٍ خارت قواها ، مازال يُنفقُ قواه ببذخ المبذرين كيما يصلا إلى الشاطئ لكنَ الشاطئ يسير القهقرى … يبتعدُ مع كل موجةٍ خطوة تخفت أضواء المدن شيئاُ فشيئا حتى بدأت تغيب عن ناظريه – يصرخ في صاحبه يأخذ بتلابيبه يجرُّهُ إليه !
– أتضحك !! وقد ألقيت بي إلى هذا المصير ، أنت سر تعاستي وشقائي ، لن يكون بيني وبينك بعد اليوم وئام ! فيضحك صاحبه وكأنه ينافس الريح أيهما أعلى صوتاُ يقول لصاحبه هازئاً به وبخوفه
– لن يكون بيننا وئام ولا صُلح !! هذا إن نجوت أيها الأحمق ! ولن تنجو إلا بي وبرضاي ، هكذا أنت دائماً تلومني تحملني وحدي خطأ كلانا ترى أنك الكَيِّسْ الفطن وأنا الفوضوي الأخرق !؟ وكأننا لانلبس نفس الرداء !
أنا أبغضك وأبغضُ كل مايذكرني بك حتى الظلال ، بُغْضي لك أشد فحالك الرث مثار الشفقه يثير حفيظتي ، أنت معرتي وخُذلاني دعك من هذا المجداف فالموت راحة لي منك ،
وعلى حين غرةً .. يخطف المجداف من يده ! ويلقي به في البحر !؟ ويعود فيتكئ على مقدمة القارب ويطلق الصراح لضحكاته الهازئه لتأخذ سبيلها مع آنات الريح المسافر إلى الشاطئ ..
ترتعد أوصال الآخر بعد أن ضاع من كفه مجدافه ، يبكي ويهزي سباباً ولعنات ، ينام على بطنه في الزورق حينا وكأنما يختبئ من عيون الخوف، يقوم لينام على حافة القارب يجدف بساعديه في الماء !! ينقلب إلى الحافة الآخرى ويجدف بساعديه لعله ينجو وتعاريج غائرة طبعها على وجهه العلع ، بينما الآخر مُسندٌ على ساعديه بمقدمة القارب يرقبه ويضحك ..!؟
وفجأه انقلب القارب .. غاص الساخر في أعماق البحر ولكن صوت ضحكاته لازال يخرج من تحت الماء ليسابق الريح ، بينما الأخر معلقٌ بحافة القارب يتشبث بها في محاولة يائسة .لعله ينجو من الغرق والبحر يأبى إلا أن يأخذه لصاحبه في الأعماق ،
تنظر إليه زوجته من فتحة مربعة ٍ بالباب عرضها سنتيمترات تراه يجلس حيناً ، ويستلقي على بطنه حيناً يتكئ على مقدمة سريره تارةً، وهو يضحك بصوتٍ عالي وذراعيه خلف رأسه ثم ينكب على وجهه على السرير ، يدفع الهواء بساعديه كمن يعوم،
يجدف على كل جانب من السرير مره .. ثم يسقطُ من على سريره فيتشبث بحافة السرير يحاول الصعود إليها ! تتابعه هي بأسى .. وعيونها بحر بلا أمواج فاضت أحزانه دموع .. تسأل ذلك الرجل ذو المعطف الأبيض الواقف بجوارها يتابعه من كوة الباب معها :
متى سيعود لزوجي عقله ويخرج من المصحة ؟ لقد طالت حالته يادكتور..! اجابها ، عندما يصل قاربه إلى الشاطئ لن يصل إلى الشاطئ حتى يسود بينهما الصلح و الوئام .
بقلم : مصطفى علي الحجي