من وصية للإمام الحسن العسكري (ع) لشيعته : ( أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ….) في ظني القاصر وفي قراءة للوضع المعاصر نجد أن جيل اليوم يعيش ظروفاً فكرية استثنائية وأنماطاً من التفكير المركب والمتداخل بسبب مايزجه الإعلام المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي وبشكل جنوني ومحموم – من أفكار وثقافات ونظريات ذات قواعد متباينة وسياقات متضاربة ليس لها ضابطة محددة ،
تستهدف شباب المجتمع ذكوره وإناثه تجعله يعيش أشبه مايكون بفوضى وعبثية الأفكار ، ولانستطيع أن ننكر أن هذه الفوضى الخلاقة ليست عفوية أو ساذجة ، بل مما لانشك فيه أن هناك أياد وأجندة خفية وغير خفية مغرضة تستهدف عقول المجتمع وبالتحديد الجيل الشاب ، مما يستدعي الشفقة عليه أحياناً كثيرة .
لكن أين المحذور من كل ذلمك ؟
إن الخطر الداهم الذي سوف ينجم عن هذه العبثية هو خروج نشء بنسخة مشوهة وجيل ممسوخ في هويته الدبنية ومرجعيته الفكرية مختطف عقلياً غير قادر على تحمل مسؤولياته والقيام بالمهام الملقاة على عاتقه بدءً من بناء نفسه وبالتالي النهوض بمجتمعه وبناء وطنه . ولاننسى أن مرحلة الشباب هي من أخطر المراحل على الإطلاق وأهمها في الآن معاً ،
إذ تعقد المجتمعات الآمال والأحلام على شبابها في تحقيق طموحاتها وتقدم أوطانها فبسواعدهم الفتية يشيدون الوطن ويذودون عن حياضه ، ولكن عندما يكون الشاب فريسة الأفكار العبثية المتغولة سوف تتفشى الانزلاقات الأخلاقية والعقدية وسوف يتحول عنصر الشباب من عناصر بانية إلى معاول هدم وتدمير وعبء ثقيل على المجتمع .
هل عُدِم الخير في شبابنا ؟ وبنظرة إيجابية فلايزال مجتمعنا بخير ينعم بكفاءات شابة كامنة تحتاج إلى أن تُفجر في دروب الخير وطاقات متوهجة تنتظر من يستثمرها كرساميل في مشاريع التنمية والبناء ، وها نحن نرى رأي العين أن هناك كفاءات شابة واعدة ومواهب نادرة وأيادٍ مبدعة تتكاثر في مجتمعنا بين الفينة والأخرى مما يجعلنا أكثر تفاؤلاً بما هو قادم مستقبلاً .
وفي ظل عدم التكافؤ بين الإعلام المظلل والهدام وبين الإعلام الهادف والمسئول ومن هنا ولدرء هذا الخطر المحدق ومن منطلق ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) لابد أن نعيد الأمن والتوازن الفكري لأبنائنا وأن نشارك في توفير مظلة وحماية فكرية لهم وذلك عبر المقترحات التالية :
١/ أن تكون مشاركاتنا في قنوات التواصل الاجتماعي مشاركات مدروسة بعيدة عن العشوائية والتخبط أو منساقة مع التيار العام ، كما يجب أن نضبط مشاركاتنا ونتحكم فيها بجدارة وأن لاتكون تحت تأثير الإنفعالات أو كردود فعل ناتجة عن تعصب لفكرة أو خاضعة لأيدلوجية معينة .
٢ / أن تكون مشاركاتنا منتقاة بعناية فائقة وهادفة ومسئولة هدفها سد ثغرة وفجوة فكرية أو ثقافية في العقل المجتمعي .
٣ / أن نُحيٌِد مشاركاتنا ولا نجعلها منبراً لتصفية الحسابات أو التجاذبات بجميع أنواعها شخصية أو عقائدية أو غيرها .
٤/ أن لايكون همنا فقط هو المشاركة لأجل المشاركة أوالتواجد على صفحات التواصل الاجتماعي وتسويد الصفحات دون تحميل أنفسنا مسئولية الفكرة التي سوف ننشرها ودراسة أثرها السلبي أو التدميري على المتلقي .
٥/ تحويل صفحات التواصل إلى ثورة معرفية بجميع أنواعها الأخلاقي والديني والثقافي .
٦/ أثناء تصفح قنوات التواصل يجب أن لاتستهوينا فقط المواضيع الهزلية والساخرة ويكون لديناعزوفاً عن قراءة النصوص المفيدة بحجة طولها أو عدم جاذبيتها سواء كانت دينية أو ثقافية أو فكرية .
٧/ لابدأن نعوِّد أنفسنا على قراءة وتلقي الشيء المفيد وإن تعارض مع رغباتنا وأمزجتنا .
٨/ توجيه الناشئة وتشجيعهم لحضور المنابر المتميزة والمعتدلة في طرحها والثرية معرفياً ، فمرحلة البناء هي من أصعب المراحل وتحتاج إلى مثابرة وجهد مضاعف أما مرحلة الهدم فهي من أسهل المراحل لاتحتاج إلى مؤنة زائدة وجهد ،
فما نبنيه في سنوات فإننا نستطيع أن ندك بنيانه ونهدمه في ساعات معدودة ، وهذا مما يضاعف مسئوليتنا اتجاه مجتمعنا وأن يكون كلٌ منَّا لبنة وطوبة تساهم في تشييده في أحسن تصميم وطراز ، وهذا مما نستوحيه بشكل واضح من خلال وصية إمامنا العسري ( ع ) لشيعته حيث تتناول توصيات فريدة من شأنها تحصين الفرد والمجتمع من عوامل الزيغ والانحراف وتوفير جو فكري آمن وقلعة فكرية حصينة عصية على اقتحامها من قبل الأفكار المظللة والهدامة .
نسأل الله أن يجعل جمعتكم جمعة خير وبركة وبناء وصلاح