خذ فكره وازرعها في نفسك تصبح سلوكاً … لا تقيد نفسك بالأوهام وتعلم كيف تختار الأفكار الصائبة … الجسم يستجيب لرسائل العقل وتغيير الحال بتغير الأفكار …
مثل هذه العبارات وغيرها يقودنا للحديث عن أسرار النفس البشرية ولعل من أثار النفس البشرية تأثير الأفكار عليها في المشاعر والسلوك وهذا التأثير أدركه العلماء والحكماء منذ القدم وجاء العلم الحديث يؤكده ويقيم عليه دلائل جديدة ويقوم بأبحاث عنه ويدرس تطبيقاته في الصحة والمرض,يقول دايل كارينجي مؤلف كتاب (دع القلق وأبدأ الحياة ) :أن إحدى مشكلاتنا الكبرى هي ” كيف نختار الأفكار السديدة الصائبة لأننا إذا راودتنا أفكار سعيدة أصبحنا سعداء وإذا سيطرت علينا أفكار التعاسة غدونا أشقياء وإذا تملكنا الخوف والمرض فغالبا سنصبح مرضى أو جبناء وإذا فكرنا في الإخفاق أتانا الإخفاق في غير إبطاء وإذا دأبنا نتحدث عن متاعبنا ونندب حظنا ونرثي لأنفسنا فسيعتزلنا الناس ويتجنبون صحبتنا ومجالستنا وحديثنا .
كيف نزرع الفكرة النافعة ؟ هذا يحتاج في البداية أن نتخلص من الفكرة الضارة فالفكرة الضارة تقتلع بزرع فكرة نافعة مضادة لها فأفكار الخوف نعارضها بأفكار الشجاعة,وأفكار القلق بأفكار الاطمئنان وأفكار التردد بأفكار الإقدام وأفكار ضعف الثقة بالنفس بأفكار قوة الثقة بالنفس وهكذا .
أما الأفكار النافعة فمن أفضل وسائل زراعتها :
1 – الدعاء المخلص وصدق اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه .
2 – اختيار عبارة قصيرة واضحة معبرة تكون بصيغة المتكلم ولا يكون فيها نفي ولا استقبال ويرددها كثيرا مثال ذلك :
رجل يريد الإقلاع عن التدخين يكتب على ورقه صغيرة “لقد أقلعت عن التدخين ولله الحمد” فهذه الجملة جاءت بصيغة المتكلم وليس فيها نفي:أنا لن أدخن ولا استقبال (سوف أقلع عن التدخين) فتكون عبارة ” أقلعت عن التدخين ولله الحمد ” عبارة مشجعة لزرع فكرة نافعة .
3 – ضرب الأدلة العقلية التي تثبت الفكرة الصائبة كقوله تعالى : “ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون” المائدة 75.
4 – ضرب الأمثال والتي تعتبر من أهم وسائل تبسيط المعلومة وربط الذهن بها فالمعلم القدير هو الذي يقدم العلم للناس في أمثلة تجعلهم يقتربون من الموضوع أكثر قال تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون) .
5 – طرح الأسئلة وترك الإجابة للعقل ليصل إلى المعنى المراد من ورائها مثل قوله تعالى : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) وكذلك قصة الفتى: (أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أتحبه لابنتك؟ قال: لا جعلني الله فداءك قال: والناس لا يحبونه لبناتهم … ) .
6 – كسب ثقة المقابل بحسن الحوار والقوة العلمية والأمانة وتقبله ودليل ذلك من قصة الفتى مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الفتى تجرأ وصارح النبي بما في نفسه ولو يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام سوف يوبخه ويعنفه ويشدد عليه وأنه قاسي المعاملة والطبع لما أفصح عن ما يدور في خلجات نفسه الأمارة بالسوء ولما تقبل منه في نهاية الحوار ولكن استخدم معه أسلوب الحوار المقنع عقلاً ومنطقا .
وأنظر بالمقابل إلى معاملة بعض المربين لأبنائهما الذين لا يستطيعون أن يخرجوا ما في صدرهم وجعبتهم من أفكار ووساوس لأنه يعلم أن الجواب قرع بالسياط وبالنعال وبأنواع القساوة والضراوة وكأنه يقول وبكل أسى أن التربية لم تنفع ولم تثمر فيك ولذا نجد كثيرا من الفتيان والفتيات الذين لا يجدون من يحتويهم فضلاً عن من يقنعهم بأسلوب الرحيم المشفق فيضطرون للأسف لإيجاد البديل الذي يحتويهم .
مشرف تربوي بتعليم الاحساء