صدر نظام الاثبات في المملكة العربية السعودية، ليحسم الاجتهاد القضائي في وزن أدلة الاثبات وتحجيم الاختلاف والتباين في الاحكام القضائية الصادرة، وكذلك ليعاصر وسائل الاثبات المعاصرة التي لم تتطرق لها الأنظمة السابقة، وليتسنى لكل من الدائرة القضائية والمحامي واطراف الدعوى التنبؤ بالأحكام القضائية ومعرفة حجية الأدلة المقدمة في الدعوى.
وقد تقرر في صدر النظام أن كل اجراء من إجراءات الاثبات تم قبل نفاذ هذا النظام تكون صحيحة ومعتبرة ولها الحجية القضائية، وقد حدد النظام جميع أدلة الاثبات على وجه الحصر مع بيان شروط كل دليل من الأدلة واستثناءاته الواردة عليه ومبطلاته، وسنشرع في هذا المقال في الحديث عن دليل (الإقرار القضائي) واهم ما جاء فيه من تعريف وشروط واستثناءات ومبطلات واقعة عليه.
يحظى الاقرار بمكانة شديدة الاهمية بين وسائل الإثبات أمام القضاء قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ فيكون الإقرار قضائياً وفقا لما جاء في النظام” يكون الإقرار قضائياً إذا اعترف الخصم أمام المحكمة بواقعة مدعى عليه بها، وذلك أثناء السير في دعوى متعلقة بهذه الواقعة”-ينظر المادة الرابعة عشرة. نظام الاثبات- وعليه لا يكون الإقرار إقرار قضائي اذا لم يصدر امام المحكمة، أو صدر في دعوى أخرى غير متعلقة بالدعوى بذات الموضوع، الا أنه يمكن اثبات الاقرار الغير قضائي في حال عدم توافر شروط الإقرار القضائي (بكافة وسائل الاثبات الواردة في النظام مع مراعاة شروط كل دليل)-ينظر المادة التاسعة عشرة من نظام الاثبات-.
وقد أشترط المنظم في الإقرار شروط تتعلق بالمقر، وشروط خاصة بذات الإقرار، فقد اشترط النظام في المقر” أن يكون المقر أهلاً للتصرف قيما اقر به” -ينظر المادة الخامسة عشرة الفقرة (1) من نظام الاثبات- ، وقد استثنى المنظم -إقرار الصغير المميز المأذون له بالبيع والشراء بقدر ما أذن له فيه، أي أنه لا يقبل إقرار الصغير فيما يتجاوز ما هو مأذون له فيه. – وإقرار الولي أو الوصي أو ناظر الوقف أو من في حكمهم فيما باشروه بحدود ولايتهم. ويلزم هنا التنبه أن هذه الاستثناءات مشروطة بحدود ولا يقبل ممن تجاوزها الإقرار، ومثاله: كأن يقر ناظر الوقف المسمى (وقف الخير) في دعوى تتعلق بوقف أخر يسمى (وقف البر) ولو كان من المستحقين في الوقفين إلا أن النظام اشترط النظارة ولم يشترط الاستحقاق، وأما في شكل الإقرار فلم يشترط النظام له شكل معين فقد نصت المادة السادسة عشرة في الفقرة (1) من ذات النظام:” يكون الإقرار صراحة او دلالة، باللفظ أو بالكتابة”.، وهذا التوسع في اثبات الدليل القضائي يدل على فهم المنظم لحالات الاقرارات الواقعية أمام المحاكم وحفاظاً على الحقوق وصيانتها، وذلك لأن الإقرار قد يصدر من العامي ومن المختص او من كبار السن او من ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الهمم.
كما أنه وارد أن يصدر بشكل ضمني وغير صريح، فتكون هذه المادة اتسعت لجميع الحالات المحتملة في صدور الإقرار من اطراف الدعوى. والجدير بالذكر أن دليل الإقرار يرتب اثار قضائية بالغة في الأهمية وهي: ان الإقرار القضائي يكون حجة قاطعة على المقر، وقاصرة عليه، ويلزم بها المقر قضاء، ولا يقبل رجوعه عنه. – ينظر المادة السابعة عشرة والثامنة عشرة من ذات النظام-، ويستفاد من قول المنظم بأن الإقرار حجة على المقر وقاصرة عليه، أي ان الإقرار لا يكون الا في الاعتراف على النفس فقط ولا يمكن قبول الإقرار والأخذ به ضد شخص اأر مثاله (كان يعترف أحمد بأنه سرق بمرافقة عمر) فلا يؤخذ إقراره ضد عمر كحجة قضائية لأن الإقرار مقتصر عليه فقط حسب ما جاء في النظام.
وقد تطرق النظام الى مبطلات الإقرار القضائي والاقرار الغير قضائي في المادة (السادسة عشرة الفقرة (2)، والمادة الثامنة عشرة الفقرة (2). وهي أنه يبطل الإقرار ولا يؤخذ به كحجة قضائية معتبرة إذا كذبه ظاهر الحال مثاله: أن يقر أب بنسب ابنه والفارق العمري بينهم خمسة أعوام فقط، ومما يبطل الإقرار تجزئته على صاحبه في واقعة واحده ومثاله: (أن يقر عمر بوجوده في مقر ارتكاب الجريمة، وأنه كان يتواصل هاتفيا مع الشركة مكالمة استمرت 20 دقيقة) فيكون باطل أن يتجزأ اقراره بانه موجود في مقر الجريمة فقط دون ارفاق كامل الإقرار النافع منه والضار، لكن إن كان الإقرار يقع على أكثر من واقعة وكان واقعة منها لا يستلزم حتمًا وجود الواقعة الأخرى هنا يجوز التجزئة، وهذا يعد استثناء من الأصل ألا وهو عدم قابلية الإقرار للتجزئة وهذا يعد نوع من أنواع الإقرار ألا وهو (الإقرار المركب).
كذلك الإقرار الموصوف الذي يعد نوع من أنواع الإقرار القضائي الذي يعلق على شرط أو يكون مضاف لأجل وهذا أيضا لا يجوز تجزئة الإقرار كأصل عام، لكن على سبيل الاستثناء يجوز تجزئة الإقرار في حال كان الإقرار مؤجلاً ببيان سببه، أو كان للمقر بينة على أصل الحق أو سببه، ولعل أهم ما يترتب على الإقرار القضائي في حال استوفى الشروط السابق ذكرها: إعفاء الخصم للطرف المقر من إثبات الواقعة محل الإقرار وثبوت لواقعة محل الإقرار ثبوتاً قطعيًا تجاه المقر وتجاه المحكمة، وانقضاء الخصومة في خصوص الواقعة التي تم الإقرار فيها.
وختاماً نوجه بالشكر لكل القائمين والمشرعين لهذا النظام كونه من أهم الأنظمة التي صدرت مؤخراً، وأوصي المهتمين والمختصين في المجال القانوني والقضائي بضرورة الاطلاع عليه ومدارسته لأهميته في مراحل التقاضي والتحكيم ووساطات الصلح والفصل في النزاعات القانونية والشرعية.
باحثة قانونية