وتكمن أهمية الشهادة باعتبارها من أهم أدلة الإثبات التي يعتمد عليها القضاة في احكامهم، إلا أن نظام الإثبات السعودي الصادر بتاريخ 1443/5/26هـ، قد أولى النصيب الأكبر للكتابة باعتبارها أصبحت هي الوسيلة المناسبة والعصرية والأكثر موثوقية في التعامل وجعل الكتابة بمثابة الركن في العديد من العقود نذكر منها على سبيل المثال: عقد الشركة فلا يجوز من حيث الأصل الإثبات في هذه الحالة إلا بدليل الكتابة، رغم ذلك لم يخرج نظام الإثبات الشهادة من حزمة الأدلة التي يعتمد عليها الخصوم في إثبات حقوقهم بل نص عليه في العديد من المواد موضًحا كيفية الأخذ به وحدوده ومدى حجيته.
وقد جاءت هذه الورقة البحثية لتناول الشهادة بحلتها الجديدة وفق ما نص عليه نظام الإثبات السعودي من خلال بيان تعريفها ومحلها وشروط صحتها بالإضافة إلى بيان دعوى سماع الشهادة وأخيرا حقوق الشاهد معتمدين في ذلك بشكل كبير على مواد نظام الإثبات السعودي.
تعريف الشهادة:
لم يتطرق نظام الإثبات إلى تعريف صريح للشهادة، ويمكننا في هذا الصدد تعريفها بأنها “إخبار شخص – من غير أطراف الخصومة – يسمى الشاهد، أمام القضاء بما لديه من علم حيال واقعة معينة.”
محل الشهادة:
أرسى نظام الإثبات في الباب الخامس منه مبدأ الإثبات بالشهادة كوسيلة من وسائل الإثبات المعتبرة نظام ًا وذلك في مستهل المادة (65) حيث نصت على: “يجوز الإثبات بشهادة الشهود، ما لم يرد نص يقضي بغير ذلك”.إلا أن النظام حدد في ًالمادة (66، 67) حالات لا يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود
ويمكننا حصر هذه الحالات وفقا للتالي:
1 المرسي، متولي، قواعد الإثبات في النظام القانوني السعودي، والقانون المقارن، دار الاجادة، 1444هـ، ص107
ً
1- فيما اشترط النظام صحته أو إثباته أن يكون مكتوبا. 2- إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة. 3- فيما يخالف أو يجاوز مااشتمل عليه دليل كتابي.
نستخلص من هذه الحالات والقيود على دليل الشهادة أن المنظم السعودي قد أولى دليل الكتابة أهمية كبيرة و نستشف ذلك من أنه جعل كل ما هو شرط لصحته الكتابة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة بالإضافة إلى عدم قبول أي دليل إثبات عند مخالفته الدليل الكتابي.
كما نص نظام الإثبات في المادة (68) على عدة حالات يجوز ًمعها الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة، وفي وجهة نظرنا يعتبر ذلك استثناء من الأصل الذي هو الإثبات بالكتابة، ونذكر هذه الحالات وفق ما نصت عليه المادة سالفة الذكر:
1- إذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة. 2- إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي ، ويعد من الموانع المادية.
عدم وجود من يستطيع الكتابة، أو أن يكون طالب الإثبات شخصًا ثالثًا لم يكن طرفًا في العقد، ويعد من الموانع الأدبية رابطة الزوجية، وصلة القرابة و المصاهرة حتى الدرجة الرابعة.
3- إذا ثبت أن المدعى فقد دليله الكتابي بسبب لا يد له فيه.
بيد أن حددت المادة (69) من النظام آلية سماع الشهادة، حيث نصت بأن الشهادة لا تسمع إلا عن مشاهدة أو معاينة أو سماع، ولا يمكن قبول الشهادة بالاستفاضة إلا في حالات يتعذر معها العلم غالبا دونها، وذكرت المادة سالفة الذكر بعض الحالات على سبيل المثال: الوفاة، النكاح، النسب، الملك المطلق، الوقف والوصية ومصروفاتها.
شروط الشهادة
رتب نظام الإثبات في الفصل الثًاني من الباب الخامس شروط وموانع الشهادة، حيث نصت المادة (70) على: ” 1ـ لا يكون أهلا للشهادة من لم يبلغ سن (الخامسة عشرة)، ومن لم يكن سليم الإدراك. 2ـ يجوز أن تسمع أقوال من لم يبلغ سن (الخامسة عشرة) على سبيل الاستئناس”.
3 – نجد أن نص المادة سالفة الذكر حددت شرط الأهلية كشرط لازم لقبول الشهادة، وما دون ذلك لا يؤخذ به إلا على سبيل الاستئناس.
كما نصت المادة (71) بشيء من التفصيل عن قيود وموانع الشهادة، بأن يفصح الشاهد عن أي علاقة أو مصلحة أو قرابة له بأطراف الدعوى، أو أن تجلب له نفعا أو ضررا، كما ايضا لا تصح الشهادة للموظف العام أو المكلف بخدمة عامة في حال كان طريق علمهم أو سماعهم متعلق بالوظيفة أو بسبب قيامهم بعملهم من معلومات سرية، ما لم ترتفع صفة السرية أو تأذن لهم المحكمة بذلك.
دعوى سماع الشهادة
لقد أقر نظام الإثبات في الفصل الرابع من الباب الخامس دعوى مستعجله لسماع الشهادة وخصص لها المادة (81)، بجواز إقامة دعوى مستعجله لسماع الشهادة في حال الخشية من فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يتم عرضه على القضاء وتوجد احتمالية لعرضه مستقبًلا بأن ُيطلب سماع الشاهد بدعوى مستعجلة يتم تقديمها للمحكمة المختصة وتكون صلاحية قبول الدعوى من عدمه من صلاحية المحكمة المختصة طبقًا لتقديرها عن حالة الضرورة وجواز سماع الشهادة في الواقعة المراد إثباتها.
حقوق الشاهد
افرد نظام الإثبات الفصل الخامس من الباب الخامس الحقوق الممنوحة للشاهد والذي وفًقا للإجراءات المنصوص عليها نظاماً كفلها له النظام حيث نص في المادة (82) والمادة (83) على عدم جواز مضارة الشاهد والزم المحكمة المختصة بأن تمنع كل ما هو يؤدي إلى تخويف أو التأثير على عليه عند قيامه بأداء الشهادة، ونلمس من ذلك حرص المنظم على حماية الشاهد وتعزيز دليل الشهادة لما له من أهمية في إثبات الحقوق وعدم ضياعها.
بالإضافة إلى تعويض الشاهد عن كافة المصروفات التي يتكبدها نتيجة لقيامه بالشهادة، وتقدر المحكمة المختصة ذلك وتلزم الخصوم بسدادها طبقًا لمال الدعوى فيتم سداد مصروفات الشاهد من قبل الخصم الذي يخسر الدعوى أو يتم تقسيمها على الطرفين في حالة كانت الخسارة نسبية بين أطراف الدعوى.
النتائج:
1- أعني نظام الإثبات بتحديد الأحكام الخاصة بالشهادة وآلية تقديمها. 2- منح المنظم الشاهد حماية خاصة لمنع الإضرار به. التوصيات: 1-حث المختصين على دراسة نظام الإثبات وما يتعلق بأحكام الشهادة حتى يتسنى لهم تحديد مدى الاعتداد بها في الدعاوى التي تقدم فيها الشهادة كدليل.
2- لما كان بعض الشهود على غير دراية بأحكام النظام فإننا نرى مناسبة تنويههم من قبل المختصين بحقهم بالتعويض عن كافة ما تم صرفه لتقديم الشهادة.
في ختام هذه الورقة البحثية القصيرة، يمكننا القول بأن دليل الشهادة يعتبر موضوع في غاية الأهمية كوسيلة رئيسية من وسائل الإثبات التي نص عليها المنظم السعودي.
أتمنى أن أكون قد وفقت في كتابة هذه الورقة وأن تنال على استحسان القارئ، إن أحسنت فمن الله عز وجل وإن أسأت فمن نفسي والشيطان.