في عمر الإنسان محطات يلتقي بها مع رجالات وشخصيات وطنية رسمت في حياته مراحل يتنقل معها في أفياء الحياة الممتدة في شتى المجالات والنواحي، بل انها تغذيه بخبرات متعددة وتشمله برعاية خاصة تجعل منه يتعرف بها على دهاليز الحياة، ولعل من هذه الشخصيات التي اثرتني وزودتني بالخبرات والتي كانت محاور مهمة اعانتني بعد الله على تخطي الكثير من العقبات وحققت لي العديد من الفرص، وهذه الشخصية الكريمة هو والدي الثاني والد زوجتي الكريمة: العم عقيل بن فرحان بن مبارك العقيل الذي شاء الله ان ينتقل إلى جوار ربه صباح يوم الأحد ٢٣/٩/١٤٤٣هـ وقد رحل وترك من بعده قلوب وافئدة ومشاعر ملؤها الحزن والأسى، الا أن وعد الله للصابرين ببشارته لهم بالصلاة عليهم ورحمته – عز وجل – قد مسح على قلوب محبيه وذريته بالصبر والاحتساب، والحمد لله على قضائه وقدره.
إن سيرة هذا الرجل تجعلنا على وعد لأهله ومحبيه بإيجاز عن محطات حياته، فمع توفيق الله لوالده الجد فرحان العقيل رزق به في العام ١٣٥٦هـ وتنقل في طفولته مع اخوته وتحت رعاية والدته/ لطيفة بنت سلمان العبدالمحسن ليصعد هذا الطفل ويتميز بين آقرانه على حب العلم والتحصيل، فألحقه والده بمدرسة الجفر الابتدائية ليدرس بها إلى الصف الرابع ليعيدها مرتين لعدم وجود العدد الكافي لفتح الصف الخامس ولحرص معتمد التعليم آنذاك الشيخ عبدالعزيز التركي – يرحمه الله – فقد قام بنقل الوالد عقيل وآقرانه يومياً بسيارته الخاصة من الجفر إلى المدرسة الأميرية بالهفوف، ليتخرج منها ويعين معلماً، ويتنقل في سلك التعليم بين العديد من مدارس محافظة الأحساء ليتقاعد في العام ١٤٠٠هـ بعد رحلة علمية وتعليميه حافلة بالجد والعطاء فقد عرف عنه – يرحمه الله – بحرصه وحزمه وكفاءته أثناء تأدية مهامه معلماً. وقد كان يرحمه الله محباً للثقافة وتطوير الذات، فلديه مكتبة ثقافية تضم العديد من الكتب والمؤلفات النفيسة والتي نوصي أبنائه بالحفاظ عليها والعناية بها. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنه كان يحمل موروثاً شعبياً بحفظه الأمثال الإحسائية الشعبية، فما كاد يحثك او يعضك أو يذكرك في أمور الدنيا والآخرة إلا واستشهد بأمثال تقرب لسامعيها الهدف المنشود والقصد المراد، وهذا ولله الحمد ما استطعت أن ادونه من خلال الجلوس معه والاستفادة من القصص والأحداث التي مر بها في حياته. كما أن مما يرسخ هذا المفهوم انه يحمل إرثاً تاريخياً من خلال ما يرويه عن والده الجد/ فرحان والذي يعد من رجالات الدولة في ذلك الحين، فقد كان مرسولاً من قبل الشيخ عبداللطيف الملا إلى الإمام عبدالرحمن وجلالة الملك المؤسس عبدالعزيز، والذي أوضح له حال الأحساء من ضعف حكم الأتراك لها والذي كان له محل اهتمام وانصات من قبل جلالة الملك المؤسس في تلك الحقبة التاريخية؛ لتصبح الأحساء أحد مناطق المملكة الرئيسية (وهذا وفق ما نشرته جريدة الرياض في عددها ١٣٦٠٦ بتاريخ ٢٤/سبتمبر/ ٢٠٠٥ م.
إن الوالد/ عقيل قد ورث علوم الزراعة والفلاحة من والده الجد فرحان والذي دون في حفيظة نفوسه أن مهنته (ملاك نخيل) لذا كان للوالد عقيل النصيب الأوفر من الخبرات والمعلومات الزراعية القيمة، فعند وصفه يرحمه الله لعيون الأحساء وأنهارها ومصارفها وطرق ري مزارعها يجعلك تعيش تلك الحقبة، حيث يتميز بقدرته الفائقة على الوصف الدقيق وإن لم ابالغ يجعلك تعيشها وكأنها فلم سينمائي بل تتصور شخوصها واماكنها وهذا ما جعل من شخصه أن يرجع اليه من قبل بعض الجهات الحكومية ذات العلاقة لفك بعض المفردات والطلاسم الزراعية الخاصة بواحة الأحساء.
إن فقيدنا الغالي قد رحل وترك من بعده ارثاً ثقافياً ومكانة اجتماعية نحسب أن الخير كله في عقبه من أبناء وبنات وأسرة كريمة. فرحمك الله يا والدنا وأسكنك فسيح جناته وألهمنا جميعاً جميل الصبر والسلوان. سائلين المولى العلي القدير أن يجزيك بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا والحمد لله رب العالمين.