كائن حي يتنفس هواءنا ويعيش معنا وبيننا، لابد منه ولا غنى عنه، هو نصفنا الثاني، بل هو المجتمع كله لأنه يصنعه على عينيه بإرادة الله عز وجل.
تحمله في بطنها وهناً على وهن فيشرب من دمها، ويتغذى من لحمها، وقد تمرض أو تستشهد بسببه! لكنها تستلذ بهذه المعاناة وتتحدث مع صويحباتها أن حملها أتعبها وأمرضها وأسقط بعض أسنانها، وتعاهد الله وتعاهدنا أنها لن تكرره، ومن أن تتعافى من جراحها وقبل فطام فلذة كبدها تخلف عهدها وتحبل مرة أخرى مدعية أنها حملت بالخطأ، وأنها لا ترغب فيه، وكأن حملها السابق كان برداً وسلاماً عليها فأي شجاعة وقوة امتلكتها فاقت بها مفتولي العضلات!
كانت المرأة عند اليهود أساس الشر في العالم، ورأس الخطيئة الأولى بسببها “عصى أدم ربه فغوى ” فأخرجه الله من الجنة.
واحتلت عند النصارى مكانة أدنى بكثير من الرجل. قال بولس:” أعتقد أن حواء أخطأت أولاً، ثم أغوت آدم فانقاد وراءها ثانياً”. وعاشت في أوروبا محتقَرةً وقذرة ولا قيمة أو وزن لها، وأنها خُلقت لخدمة الرجل ومتعته!
وكانت في الجاهلية تُوأد ولا ترث وإذا مات زوجها تصبح إرثاً لابنها الأكبر “وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون”.
وحين أشرق الإسلام أكرمها وأعلى قيمتها وساواها بالرجل في الأجر والخطاب وأضاف لها قيمة مضافة بأن جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل حقها في بر الأبناء ثلاثة أضعاف حق الأب. وجعلها سكناً للرجل وجعل بينهما مودةً ورحمة حتى صارت نفسه الثانية. وقضى على الظلم الجاهلي الواقع عليها كوأد البنات ومنعها ميراثها وغيرها، فصارت شريكةً للرجل لا نداً له وأنزل الله سورة النساء تذكرنا بهن نتلوها آناء الليل وأطراف النهار. فأم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية (ض)تسقى وتداوي الجرحى في معركة أحد وتدافع عن الرسول(ص) بسيفها حتى جُرحت. وها هي أمنا خديجة (ض)تضع جل أموالها في نشر الدعوة حتى أوفى لها الرسول (ص) بحبه لها ولم يتزوج عليها في حياتها. وحين اشتكت له سيدتنا الزهراء (ع) من تعبها في أعمال منزلها قلدها وساماً من الطبقة الأولى سمي بتسبيح الزهراء يردده المسلمون دبر صلواتهم الخمس ولقبها بأم أبيها. وحين توفيت فاطمة بنت أسد (ض) أم الإمام علي (ع) كفنها بردائه اعترافاً بفضلها.
وقد ظهرت في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي حركة تحرير المرأة في أوروبا تطالب بإعطائها بعض الحقوق، مثل: الحرية ومساواتها بالرجل وغيرها. وحين صدقت المرأة أكذوبة تحريرها ومشت في ركابها منطلقةً نالت قليلاً من حقوقها بعد أكثر من مئة سنة تقريباً. وقد تطورت حركة تحريرها فظهرت في القرن العشرين في أوروبا بمسمى جديد هو” الحركة النسوية ” من قبل نساء طالبن بجعل المرأة مساوية للرجل في كل شيء ومنافسةً ونداً له بغض النظر عن العادات والتقاليد والأديان والاتجاهات واختلافها عن الرجل! حتى تمادت الرأسمالية الغربية بجعلها مادةً وسلعة تدور حولها رحى الاقتصاد في مجالات كثيرة كالأزياء والإباحية والبغاء والسينما والترفيه والإعلان والسياحة والإعلام. وجردوها من أنوثتها لتعمل في أعمال لا تناسبها. تعمل نهاراً في وظيفتها وليلاً في منزلها، ثم أكملت الأمم المتحدة عام 1977المسرحية بجعل الثامن من شهر مارس من كل عام يوماً عالمياً اعترافاً بفضلها وتكريماً لإنجازاتها.
وفي الربع الأخير من القرن العشرين ظهر مشروع تمكين المرأة، أنا أعتبره نسخة معدلة من حركتي التحرير والنسوية الحديثة ويعني باختصار تقوية وتعزيز دورها في مجالات التنمية والاقتصاد وغيرها وإشراكها فيها لتكون فعالةً في عالمها.
حواء حكاية طويلة لم ولن ننتهي من سردها ولن يكفيها البحر ولو كان مداداً لسرد ما قيل عنها وفيها، بانها خلقت من ضلع أعوج من أضلاع الرجل، وأن كيدها عظيم، وأنها ناقصة عقل ودين، وصوتها عورة، وأنها رأس الخطيئة وأساس الشر، وهي المتسببة بخروج آدم من الجنة، وأنها عدوة لبني جنسها، وأنها شر لابد منه، وجمالها فتنة تؤدي إلى الفوضى، والارتباط بها قفص ذهبي!
المرأة هي أسئلة التحدي في الماضي والحاضر والمستقبل لم يستطع الرجل حسم الإجابة عليها بدون قوانين وتشريعات بشرية أو ربانية في قضاياها الكثيرة مثل: العصمة وخروجها للعمل والأمومة والحضانة والقوامة والمساواة بالرجل والاستقلال عنه، والتعدد والحجاب والسفور والتحرش وتحديد النسل، وتوليها الحكم والقضاء والترشح للانتخابات، وغيرها الكثير الكثير.
وستبقى حكايتها سجالاً طويلاً ومختلف عليها اجتماعياً ودينياً وسياسياً واقتصادياً وغيرها. هي شقيقة الرجل يفني شبابه كادحاً للارتباط بها بميثاق غليظ يكمل به نصف دينه؛ ليسكن إليها ويستمتع بها ويحميها ويرفق بها من الكسر ولها حقوق وعليها واجبات.
هي مدرسة الإنسان الأولى الأم والأخت والبنت والزوجة والقريبة والصديقة والزميلة، هي ملح الحياة وسكرها وربيعها، وحياتنا بدونها لا جمال ولا ألوان ولا مشاعر ولا عواطف ولا حب فيها، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر. ولنتذكر أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة.