عندما جاء هذا النور الإلهي ( نور القرآن ) كان الغاية هو الاستنارة وحصول التميز عند البشر،ولكي يتحقق التفضيل للإنسان عن سائر المخلوقات من خلال القياس والمقارنة يحصل العلم أنه الخليفة على وجه هذه الأرض، فتثير ذاكرته السؤال الذي هو أساس كل نجاح وتميز يفتح مدارك الفهم ويحفز العقل لأن يقوم بعمله ورسالته التي من أجلها خلق هذا الجندي المجهول المغيب قصرا وجهلا بكنوزه.
وقد وردت الكثير من الروايات الكاشفة عن أهمية ودور العقل في حياتنا الفردية والاجتماعية من أجل تحقيق دور العقل جاء الله سبحانه وتعالى بهذا النور.
قال تعالي : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
هذه الآيات الكريمة تدعونا إلى التأمل والتدبر وإعمال العقل فيما خلق الله، عسانا أن نصل إلى الإيمان بالله الخالق الحق الذي هو منشأ كل خير في، هذا الكون،ومن ثم نكون على يقين بالرسالة التي انيطت بالإنسان.
كيف يساهم العقل في نشر الحب والسلام في المجتمع ؟
إن الشعور بأهمية الدين في غربلة الأفكار السلبية وتنقيح المعتقدات عن كل ما ليس له صلة بالقيم الدينية ؛ يصير هما لدى الإنسان المثقف ثقافة قرآنية ، فهو يرى الأخطاء السلبية على ساحة الحياة الإنسانية بمنظار الرؤية القرآنية وماهية السبل الذي طرحها القرآن لمناقشة ومعالجة الموضوعات السلبية التي تحيط بالمجتمع أيضا ماهية كمية الأضرار الروحية والنفسية التي يعانيها أفراد المجتمع .
المثقف قرآنيا يختلف اختلافاً كليًا عمن بني معتقده وأفكاره من علوم ونظريات بشرية .
القرآن لا اختلاف فيه وكل ما أتى به القرآن صالح لا يعتريه النقص ، ولا الشك ولا تغيير.
قال(عليه السلام): واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يَغُشّ ، والهادي الذي لا يُضِلُّ، والُمحدِّثُ الذي لا يكذبُ
بالتالي ، المقدمات الصحيحة لمعالجة أي عطب في أعضاء المجتمع سوف تكون نهاية صحيحة مؤكدة لإصلاح ذلك العطب الذي يعجز عنه علماء النفس الفسلوجيين . مهما ابدعوا في تقنين وتنظير للمشاكل الإنسانية والعقد النفسية.
سوف نذكر بعض النماذج القرآنية التي يعتمد عليها المثقف قرآنيا في التعامل مع القضايا المؤلمة داخل البيت المسلم، وداخل دائرة المؤسسة الاجتماعية أي العلاقة بين أفراد المجتمع .
المثقف قرآنيا ينطلق من تحمل مسؤوليته وإدراك رسالته في الحياة فهو لا يهدأ كما الآخرين أو يركن إلى
الانزواء للاهتمام بحياته الشخصية تاركا هموم المجتمع ، ضاربا أعمال المفسدين عرض الحائط متذرعا بالمقولة المشهورة دع الخلق للخالق …
إنما يدرك ويعي خطورة السكوت والانزواء عن المساهمة في إصلاحهم وتعريفهم خطورة منطقهم المبني على الأهواء.. من خلال السعي الذي عبرت عنه الآيات بأن مدحت هذه الشخصية القرآنية بأنه رجل يسعى .
وجاء من أقصى المدينة يسعى .
يقول تعالى في سورة يس الآية 20 :
“وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ “
إن إشعال ضوء متواضع من خلال الكلمة الطيبة يعد أمرا عظيما ومقدسا ، فهو مبعث من روح طيبة محبة الخير والسلام..
أيضا من النماذج القرآنية التي خاضت لجج الحياة الاجتماعية … بث روح العطاء بدون انتظار مقابل، ولعلمه العميق أن ما زود به من طاقات ربانية إنما هي لتسخيرها لكل من يحتاج إلى تلك الطاقة ، وليترك بصمة مؤثرة في نفوس تنفر من العطاء شحيحة على ، نفسها وعل الآخر .
ذلك الشيخ الذي دخل قرية يتصف أهلها بالشح والبخل وأبوا أن يطعموه لكن أراد أن يعلمهم درسا إن لم يكن لهم فهو للجيل القادم ، لقد أقام الجدار الذي كاد أن يتهدم على رؤوسهم، وبعد أن أنجز مهمته بعد تعب وجهد استنفد وقته وجسده ؛ خرج مدبرا ولم يعقب .
هكذا يكون المثقف قرآنيا يقدم العمل بين يدي الله وينتظر الأجر منه لا منهم لو اتخذت عليهم أجرا…
يقول عزل وجل ” فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا “
إن المثقف قرآنيا يمتص كالإسفنجة القيم القرآنية والبصائر ؛ لتكون هي المحرك لوقود نفسه ، ومطهرة لأدران شهواته لا شيئا آخر .
فالقرآن الكريم نادي الناس جميعا لأن يتدبروا في القرآن
وهذا دليل جلي وواضح على أن الهداية متاحة ، وأن السعادة متاحة ، الأمن والسلام ممكن…
(أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)
لكن لابد من الاهتمام بهذا القرآن وعدم هجره بالابتعاد عن سننه ، أو ننظر لتلك السنن والموضوعات على أنها تاريخية لاتمسنا ولا تحاكي متطلباتنا بل هي موضوعات وضعت لنستفيد منها ، نضعها على آلامنا واحتياجاتنا فهي دواء لأدوائنا .
فكم من جيل ضاع بسبب ضياع الهوية الدينية !
لكن لو كان هذا الجيل متحصنا بالقيم ، ومدركا للسنن لما كان ينتابه الضياع والهلاك .
إن المدرك لأهمية القرآن الكريم ودوره المهم في صقل الشخصية الإيمانية المنتجة ، وأيضا الرقي بالروح الملهمة ؛ يحتاج إلى أن نأخذ بيده نحو كتابه ودستوره ؛ ليكون هو المشخص لمشاكله وهمومه ، وليعالح نفسه ويعرف مصيره الدنيوي والأخروي..
لابد من صنع مثقفين قرآنيين ليحفظوا البيوت الإسلامية من الدمار الذي أفرزته الحضارات الغربية المادية المعادية للإسلام .
ومتى ما كان الأبوان لديهما الثقافة القرآنية يعرفان حقيقة كيف يتعاملان مع كل السموم التي يبثها الأعداء بعقول أبنائنا من خلال العنف ، أو البرامج المخلة بالآداب والقيم ، و أفعالهم التي تبين الكره المستميت للإسلام …
وذلك عبر المحافظة على أرواح الأبناء من أن تذبل ونفوسهم من أن تمرض وتهلك .
فكم نحن بحاجة إلى جيل قوي يُعتمد عليه في استنهاض الهمم وتقوية العزائم ، وبث الروح القتالية لأي فيروس يفتت روح المجتمع ونهضته.
الثقافة القرآنية حينما تلامس كل مفصل من مفاصل المؤسسات العلمية من خلال المدرس في المدرسة أو الجامعة أو أي مؤسسة تعليمية … إذا كان لديه العلم القرآني فهو يستطيع أن يخرج جيلا قويا ذو عزم وإرادة ، وليس جيلا ضعيفا منهك تصطلمه الأعداء من كل جانب ، وتتركه جثة بلا روح … زهرة محطمة ذابلة بلا لون ولا رائحة… فهذه مسؤولية مناطة بعنق كل متصدر لأن يكون معلما للأجيال … و بال عليه إن لم يقم بهذه المهمة كما أرسى معالمها الدستور الخالد والكتاب الميسر.
أخيرا ليعيش الجميع حياة محترمة كريمة تعالج أمراضها بعيدا عن النقد السلبي علينا أن نساهم في رفع مستوى الفكر بنشر المناهج المعينة على التدبر وتشرب قلوب الجميع حب القرآن والتعلق به ليكون دستور حياة وخارطة للتحرك.
هذه بعض الروابط التي تعيننا على فهم القرآن ، وتزودنا بالسبل والمناهج التربوية التي تنشر الحب والأمان بين أفراد المجتمع .