“معا نبدأ” شعار أطلقته وزارة التعليم منذ عام إلى أن حلت سحابة غيم عازلة للحياة النمطية، وفي عشية وضحاها تغيّرت النبرات نحو “الدراسة عن بعد” فتكرّرت تكرارًا على لسان الطالب/ة والمعلم/ة والقائد/ة والمسؤول، لتمضي منظومة التغيير في التعليم عن بعد بخطى مهندسة مدروسة، وتهيأ لها الجمع من مؤسسات وأفراد بتفاوت الاستعداد، حيث مازال الحسّ الصوتي لشعار “معا نبدأ” يعيش بقيمه التواصلية في أوساط مجتمعنا السعودي بروح تعاونية لنراقب جاهزية الأسرة الشريك الأساسي في التعليم، فهناك بعض المتعلّمين من تهيأ بطريقته البدائية بالكتاب والقلم والورقة، لا يملكون سوى جهاز متنقل للأب أو الأم أو الإخوة البررة، في حين تجد هناك طبقة مترفة يحمل المتعلم كتابه وقلمه وجهازه المحمول، وفي غرفته يجول بين المواقع التعليمية ومدرسته الافتراضية وخدمة انترنت لوجستية، وشتان هو الفرق في ثقافة الأسرة ووعيها للتهيئة والاستعداد لواقع أصبح التعليم فيه عن بعد، بل مازال هناك منهم بعد مضي الأسابيع لا يعلم من أين يبتدئ ويجد الحلول، ويستنجد بالمعلم للوصول لهذه الدروس لكثرة أبنائه وقلة إمكانياته، ولعل جهود وزارة التعليم وسياستها الإجرائية لتيسير التعليم لجميع المتعلّمين وضمان تمكنهم من الاستفادة الفعلية من الدروس التفاعلية التي جاءت في حلة تقنية احترافية واكبت تطلعات منسوبيها في منصة تفاعلية مدرسيّة، التنقل بين مساراتها وفصولها ومهامها بات أمرًا حتميًا للتعلّم بمعايير ذات جودة تقنية متقدمة يلتقي فيها عنصرا عملية التعليم (المعلم-المتعلم) بكل براعة.
ويظل السبق لمن يمتلك المهارة التقنية ليفوز باللقاء ونشر العلم بفاعلية وهذا جوهر شعار (معًا نبدأ) حيث برهنة كثرة الإرشادات والتعليمات والتدريبات لغة النفع في أوساطنا التعليمية، ومازلنا نقرأ صدى هذا التفاعل بالتواصل مع الأسر التي تخترق كل عائق لتحقيق الوصول، فشاهدنا من الميدان التعليمي من خرج من عزلته ليصل لدار كل أبنائه وطلبته ويتفقد أحوالهم لضمان توفّر المعينات للتعلم من أجهزة حاسوبية وشبكات إنترنت وغيرها. إنها حكاية ارتقاء بين المدرسة والأسرة أمام هذا التحدي الأكبر، فاستقطبنا أرائهم في تجربة التعليم عبر منصة مدرستي ودورهم في إبراز ثقافة الوعي بين الأجيال المتعلمة وتوجيه الاستثمار فيهم، لنجد الأراء تتفاوت.
الأسرة الأولى: لديها عدد (3) من المتعلمين في المرحلة المتوسطة والثانوية: منصة مدرستي أبهرتنا نحن كأباء وأمهات قبل أبنائنا، فلم نواجه صعوبة تقنية أو اَي مشكلة كون الأبناء في مرحلة عمرية يحسنون التعامل مع التقنية، وكانت الصعوبة تتوقف فقط في بداية تشغيل المنصة وتحديثاتها المستمرة والتعطّل بين يوم ويوم خاصة وأننا نتواجد في مناطق لا تتوفر بها خدمات إنترنت قوية تساعد في التفاعل السريع مع التحديثات والدخول لمنصة مدرستي التفاعلية.
الأسرة الثانية: لديها طفلان بالمرحلة الابتدائية: واجهتنا مشكلة في توفر ثقافة التعامل مع التقنية نحن كوالدين مسئولين عن أبناء بمراحل متعددة، وجاء توقيت الدراسة في المساء يوافق وقت دراسة بقية الأبناء الجامعيين، مما تسبب بالتضارب الزمني وتشتت وقتنا في توفير كامل خدمات الدعم لأبنائنا وبناتنا من أجهزة محمولة وانترنت لا محدود مع قلة ثقافتنا لاستخدام المنصات والتطبيقات مما أدى لدخول بعض الأبناء للمنصة المدرسية متأخرا حتى انضبطت ساعة العلم مع المنصة واستغرق ذلك مننا قرابة الشهر والنصف .
الاسرة الثالثة: متعلمة وذات ثقافة بالتعامل مع المنصات وواجهت الضغوط في كون الأبوين أحدهما مشرف تربوي والأم معلمة لمرحلة ابتدائية، وأحد الأبناء من ذوي صعوبات التعلم، وتوقيتهما (الأم والابن) موحّد، مما يسبب للأم صعوبة في تنفيذ حصصها ومتابعة ابنها وصعوبة تواصل الابن عبر المنصة بطريقة دائمة حسب ما يتوافق مع وقت الأم المعلمة التي لا تتأخر بعد انتهاء الْيَوْمَ الدراسي من تعويض الدروس بنفسها لابنها وفِي ذلك ضغط نفسي وعبء قد لا يدركه المسؤول المباشر للمعلّمة والمتعلم من ذوي الظروف الخاصة.
وعندما توجهنا بالسؤال للمسؤول المباشر مع الأسرة كقادة المدارس، والمعلمين والمعلمات، جاء تفاعلهم على هذه الأراء الأسرية: الأستاذة/ أمل الصبحي قائدة مدرسة بنات للمرحلة الابتدائية ذكرت: إنني أرى اليوم المجموعات التواصلية تعجّ ضجيجا بأصوات الأسر بحثًا عن حلول تقنية ليصل صوت العلم لأبنائهم بكل أريحية، والأجمل مرافقتهم الحضور معهم عبر دروس العلم التفاعلية الافتراضية، وقد كنّا سابقا نفتقد لهذه التشاركية في التعليم رغم نشر ثقافة الشراكة للإرتقاء بالأجيال، وهذا ما دفعنا للمتابعة والتوجيه وحل المشكلات وتوفير المعينات لتتيسر للأسرة أمور تعليم أبنائها بيسر وفاعلية.
أما المرشدة الطلابية/ جواهر الحمراني شاركتنا بقولها: أطمع في رجائي لكل أسرة اليوم هي المدرسة الحقيقية لأبنائها في مواصلة الشغف، وتحفيز مهارات الطفل واستثمارها حيث أرقب بعد مضيّ الشهور أن يقف المتعلم معلما لأقرانه يدير فصله الافتراضي بمهارة وجودة عالية ويشارك معلمه توجيه أقرانه، حينها سننقل منصة مدرستي لحلة ابتكارية يقودها هؤلاء الأجيال النجباء.
وذكرت المعلمة نورة السفري : أجد سعادتي اليوم في تلقي رسائل تفاعلية من الأم قبل الطالبة وهي تحكي تأثرها بما نطرحه من علم وقيم ونساهم في حل المشاكل وطرح الحلول لنرتقي معهم بهذه الأجيال ،وأنصح الأسرة أن لا تنسى دور القلم والكتابة في تحسين جودة المهارات الكتابية للمتعلم وتلخيص يومياته التعليمية في سرد قصصي يثري خبرته المعرفية وحتى لا تتسبب كثرة استخدام التقنية في محو مهاراته الكتابية، فمهارة القراءة مطلب لتحقيق نتائج باهرة .
من هذه الأراء يتحقق لنا حجم لغة الارتقاء بين المدرسة والأسرة في تحقيق شراكة مجتمعية قوية لتستمر رسالة العلم، وحتى تكتمل المنظومة الوطنية لابد من تظافر الخدمات الأخرى حيث تشكل الاتصالات التحدي الأكبر في سبيل إيصال فرص التعلّم للجميع وهذا المحك يستدعي من وزارة التعليم التروّي بتخفيف الجدول المدرسي، وتوخي الحذر في رصد الغياب والحضور للتحقق من تمكن الطالب من إيصال واجباته والحلول، كما حان الوقت على الأسرة لتخطو نحو توجهات تقنية إلزامية تفرضها علينا سياستنا التعليمية الوطنية وليست الترفيهية التي طغت وفرضت نفسها تحكّمًا في قرارات صادرة سابقا من الطفل قبل الأسرة، فكلنا نحو المتعلم مسؤول.
إننا بهذا السيناريو المسرحي التشاوري بين الأسرة والمدرسة نرسم خطى الارتقاء لنحقق لوطننا النماء ونزرع في أجيالنا الفخر ونجدد فيهم روح الانتماء ولتمضي رحلتهم العلمية في سلام.