منذ ظهور فيروس كورونا واضحاً للعيان بآثاره وأعراضه وانتشاره في الصين وانتقاله إلى كثير من الدول ومنها المملكة غلت الكرة الأرضية كغلي المرجل كأنها ظلمات في بحر لجي من شدة الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومات من عزل وحظر وحجر ومنع تجوال كلي وجزئي وتخفيف الأنشطة الاقتصادية وتعطيل الأعمال .
لكن الفيروس أذهل كل مرضعة عما أرضعت ورأيت الناس سكارى وما هم بسكارى من مقاومة الفيروس للإجراءات الاحترازية الصحية حيث فر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته التي تؤويه ! فأصبح بره بوالديه الابتعاد عنهما وقطيعة الرحم فضيلة وإذا جاءه أحد يسلم عليه قال : السلام نظر وإذا جاءه ليصافحه قال في نفسه : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ! وأصبح الابتعاد الاجتماعي والجسدي غاية وحل مكانه التواصل الاجتماعي الإلكتروني وأصبح البقاء في المنزل سلامة فلكل امرؤ شأن يغنيه عن الآخرين احترازاً من الإصابة بفيروس ما لا عين رأته ولا سمعت به أذن من قبل ولا خطر على قلب بشر !
وأصدر كثير من الحكام مراسيم العزل والحظر والحجر ومنع التجوال ونادى مناديهم : أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم فيروس كورونا وجنوده من حيث لا تشعرون ومع عدم توفر علاج ناجع له وطول مدة الإجراءات الاحترازية الصحية ضاقت على بعضنا الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم كسروا هذه الإحترازات وظنوا جهلاً أن لا ملجأ من الكورونا إلا بالعودة إلى الحياة الطبيعية السابقة !
إن بقائي في منزلي وحصاري في داخله ذكرني بحصار قريش للنبي ( ص ) وصحبه في شعب أبي طالب ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر والجلود من شدة الفقر والجوع وذكرني كذلك بالصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية – رضي الله عنهم – إذ طلب الرسول ( ص ) من الصحابة أن يعتزلوهم ويقاطعوهم وبعد أربعين ليلة من العزلة أمرهم الرسول ( ص ) أن يعتزلوا نساءهم ! حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ألا ملجأ من الله إلا إليه أنزل الله فيهم قرآناً يتلى بتوبته عليهم بعد خمسين يوماً من العزلة .
إن التزامنا بالاحترازات الصحية لمنع تفشي الفيروس وبقائنا في منازلنا ونحن في أمن وأمان وننعم بنعم شتى من كهرباء وماء وغذاء ورعاية صحية ووسائل ترفيه وانترنت وغيرها واجب لمكافحة عدو كاسح فكم في البلايا من عطايا وكم في المحن من منح وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم .
ولنتذكر أن كلنا مسؤول وأن تباعدنا اليوم يقربنا غداً حفظ الله البلاد والعباد والعالم أجمع من وباء فيروس الكورونا .
6 pings