جاء منتصف الليل، الغرفة باردة كالعادة، تفتقر لوجود روح أخرى، والثرية الصغيرة في أعلى السقف تتمايل، يراقصها الهواء وضوء خافت ينعكس منها على زاوية إطار صورتنا يتلألأ فيه ذلك القلب الأحمر الذي ابتعته أنت لي وكتبنا بداخله بضع كلمات، كانت العهد الذي قطعته لي يا يوسف منذ زواجي بك .
في منتصف هذه الظلمة، لا يوجد قانون يجيز حبس مشاعري كأنثى وليس هناك رقابة على صدق أحاسيسي مباح لي في حضور هذا الصمت، البكاء، الحنين، الضحك، الفرح الاشتياق وحتى العتاب أيضاً، لذلك يرهقني التفكير في هذه النهاية فالروح تطلق تنهيداتها المشتاقة وكأنها قطار جامح، ليس له هدف سوى محطة واحدة ملاذا تعود إليها.
في هذه السويعات الطوال، تبدأ معاركي مع مصير زواجنا، مع الصراع الذي لا ينفك، مع الصدمة الذي لا تبارح قلبي، أقنع نفسي كل ليلة، بأن أكبر تنازل قدمته لك في هذه الحياة هو التأقلم.
ولكن، صبري لم يعد يسعفني، أبكي حيناً، وحيناً أضحك، أضع القليل من أحمر الشفاة، الكحل، أسدل شعري الكستنائي، الذي طالما أعجبك أن يكون منسدلاً، كشلال منطلق، علًّك تعود، وتتلصص عليّ كعادتك، كم اشتاق لكلماتك تلك، فأين كل ذلك؟ من سيخبرني بأدق التفاصيل عن تصرفاتي؟ ليس لي هنا سوى المرآة، ف بالرغم من صمتها إلا أنها لا تكذب مثلك، وجهي أصبح كوجه عجوز شمطاء، جسدي النحيل يرتعش، بطني لا يتقبل أي لقمة، و شهيتي معدومة.
حين أذكر ابتسامتك، يغرق وجهي في الحياء، وتمر كل الذكريات الجميلة التي عشناها بمحبة وفرح، وعندما أقرأ كلماتك في تلك الرسالة، يمتعض قلبي، استشاط غضباً ويمتلئ عقلي غيظاً بالأفكار الشيطانية كم هو قاسٍ ما أدلفت به يا يوسف.
أتعرف؟!! …. المعركة الوحيدة التي نصرني الله بها عليك، هي الروح التي يزرعها في أحشائي دائماً، ولا تنمو، بإرادة منه سبحانه، فقد وهبني بقدرته وعطائه، روحاً صغيرة، مازالت تزداد اتساعاً وتحشر بطني يوما بعد يوم ستة أشهر من حملي بها وثلاثة أشهر منذ رحيلك.
ليس لي سواه، ألجأ إليه في بكائي وعتابي لا يسمعني أحد سوى تلك القطعة التي بداخلي غضبي عليك عارم ودعاء المظلوم مستجاب.
أريد نسيان ماحدث حتى ذكرياتي معك أريد أن أعتق روحي منك اجمع كل الأشياء التي تذكرني بك اكسرها أحطمها حتى الإطار الذي يضم صورة زواجنا، سأحطمه وألقي بذلك القلب الذي احتوى العهد الكاذب، مثلما يسقط كل قناع مبتسم يخفي وراءه النوايا السيئة، لم يعد يهمني، فالكلمات في قلبي تهشمت منذ أن أدليت بكلماتك الأخيرة، التي مازالت تذوي في أذني، الرجل لا يكتفي بأنثى واحدة، إن أتيحت له الفرصة.