سؤال تبادر لذهني منذ مدة طويلة وطرحته على العديد من الأصدقاء ممن يهتمون بالشأن الثقافي في هذه البلاد فبادلوني نفس التساؤل ونفس الشعور نحو أحد رموزنا الأدبية العاصرة … وأعنى به أستاذنا الجليل محمد العلي والذي أمضى أكثر من نصف قرن من العطاء المميز سواء كان ذلك على صفحات الصحف والمجلات او في الأندية والجامعات.
كنا نعيب وننتقد في الماضي ولوم أنفسنا كثيرا بل كنا نمارس أحيانا نوعا من جلد الذات فيما يخص عدم الاحتفاء بالبديعين من أبناء أمتنا في حياتهم فالأديب أو الشاعر والمفكر لا يذكره قومه إلا بعد فقده ولعل ذلك يمثل ظاهرة سلبية في تاريخنا المعاصر على وجه الخصوص ولا أقول ذلك بشكل عام فتاريخنا في الماضي سجل في صفحاته عكس المقولة التي أشرنا إليها آنفاً.
ولعل ما أشرت إليه في المقدمة لا يمثل سوى حقبة زمنية بعينها تمثلت في الركود والجمود الثقافي خلال القرنين الماضيين وبالذات خلال عصور الاستعمار السياسي للبلاد العربية وما واكب تلك الحقبة الزمنية من مد وجزر في الساحة الأدبية والثقافية عموما ً وما أصاب تلك الساحة من تأخر وتراجع في المد الثقافي كان في الواقع جزء من المصائب التي عمت الوطن العربي وكلنا يعلم أن الأدب والأدباء هما مرآة للمجتمع.
وطبيعي أن الواقع السياسي والاقتصادي لابد وأن يكون لهما أثر كبير على الحياة الأدبية والثقافية سلباً وإيجاباً.
لكن هذا الواقع لم يدم بل بدت بوارق الأمل تلوح في الأفق فبدى لنا أن الأمة صحت من غفوتها وبدت تعيد النظر في واقعها وماضيها وسرعان ما انجلت تلك الغيوم التي كانت تلوح في الأفق فبدأنا نسمع احتفال هنا ومهرجان هناك احتفاء بذكرى أديب أو شاعر أو مفكر. ولعل ذلك شكل أملاً في أن تعود الأمة بذاكرتها إلى الماضي وكيف كان العرب سباقين لتكريم رواد الادب والفكر والجميع يعلم أن مهرجان عكاظ كان يمثل أحد المنابر التي يجتمع حولها العرب من كل حدب وصوب ليشهدوا هذا المهرجان الكبير ويستمعوا إلى ما يلقى فيه من شعر وخطب وخلافه ولم يكن هذا المهرجان هو الوحيد في الساحة العربية بل ثمة مهرجانات وأندية كثيرة غيره ولكن هذا المهرجان كان الأكثر شهرة وسمعة بين العرب فمن يكرم ويتوج في هذا الحفل يحظى بالشهرة والانتشار بين أرجاء العالم العربي آنذاك ويعد هذا المهرجان من أقدم المهرجانات التي عرفها العرب.
ولابد أن أشير هنا إلى أن المسؤولين في هذه البلاد قد أحسنوا كثيراً حين شعروا بأهمية هذا المهرجان منذ فترة طويلة فقرروا إحياء ذكراه لما في ذلك من ربط بين الماضي والحاضر والتذكير بماضي هذه الأمة وكيف كانت تمجد أبطالها في الأدب والشعر وتفتخر بهم تماماً كما كانت تفتخر بشجعانها في ساحات الحرب والمعارك.
ولعل ما دأبت عليه وزارة الإعلام والثقافة من إلمام بالشأن الثقافي ورعايته حيث قامت بتكريم العديد من الأدباء والشعراء المبدعين ومن المفكرين والإعلاميين البارزين في حياتهم ليقطف هؤلاء بعض من ثمرة مجهودهم.
ولكن في الوقت ذاته تساءلت وتساءل معي الكثير من المهتمين بالشأن الأدبي والثقافي في البلاد لماذا لم يكرم شاعرنا و أديبنا المفكر السعودي
البارز والذي له بصمات واضحه في الأدب السعودي بل تعدى ذلك إلى العالم العربي ولعلي أتذكر حين زرت الكلية التي درس فيها الأستاذ محمد العلي في أواخر الستينات الميلادية أطلعني إحدى العاملين في هذه الكلية على العديد مما تركه هذا الأديب من أثر في هذه الكلية كما لم يغب عن ذاكرتي اللقاء الذي تم بين الأستاذ محمد العلي والنقاد والكاتب المعروف رجاء النقاش حين ألتقى معه في إحدى الصحف العربية في التسعينات على ما أظن حيث اطلع الأستاذ رجاء على بعض من إنتاج الأستاذ محمد العلي من شعر ونثر. فأبدى الأستاذ رجاء إعجابه وتقديره بهذا الإنتاج المميز وفي الوقت نفسه أبدى استغرابه في عدم نشر هذا الإنتاج المميز وكيف أن الأستاذ محمد العلي أحجم عن نشر هذا الإنتاج رغم أصالته وجودته لكن أستاذنا العلي لم يجب على هذا التساؤل.
وأود هنا أن أشير إلى أن ما دفعني إلى كتابة هذه السطور وما قرأته من تغريده لأستاذنا الدكتور عبدالله القذامي يطالب فيها بتكريم الأستاذ العلي وكلنا يعلم أن الدكتور القذامي خير من يعرف مكانة الأستاذ محمد العلي وكيف أنه يمثل احدى الرموز البارزة في الأدب السعودي والعربي فأردت من وراء هذه السطور أن أضم صوتي إلى صوت الدكتور القذامي ولا شك أن الجميع سيجدوا الأذن الصاغية من قبل معالي الأستاذ الوزير وهو خير من يقدر ويكافئ المبدعين في هذه البلاد والله ولي التوفيق.