في حديث خاص لصحيفة جواثا الإلكترونية مع الأستاذ الدكتور محمود السلمان عن السر الكامن وراء حبه للأحساء وجامعة الملك فيصل فيها ، فتجلى نبض الحروف بين أوتار الكلمات متناغما بأسمى معاني المحبة والتقدير وقال :
مدينة الأحساء
حاولت أن أجد سببا لحبي وإعجابي في مدينة الأحساء، وتشبيهي لها بإحدى مناطقنا في الأردن، فجاء الجواب على لسان عالم الآثار ابراهام نيجيف.
يقول نيجف أ : إن الهجر، وهو الاسم القديم لمدينة الأحساء، كانت ومدينة البتراء الأردنية إحدى أهم المراكز النبطية في تاريخ الأنباط العرب. ولنقل المعلومة بحرفيتها أنقلها أيضا بالإنجليزية كما صاغها:
Nabateans [had] centers like Petra in the Hashemite kingdom of Jordan , el-hegr-egra (Hagra, Egra of the classical sources, is known today as el-Hegr in Saudi Arabia,) , and “Seeia” in Syria.(Negev, 1986: xiv)
الأرض الجميلة
على هذه الأرض الجميلة والقديمة والتاريخية أقيمت إذا جامعة الملك فيصل. بهذا المعنى، هذه الجامعة قد تكون حديثة بمفهوم البناء. ولكنها من وجهة نظري من أقدم الجامعات بمفهوم التاريخ والعراقة. فعلى أرضها سار منذ قديم الزمان أجمل العلماء والشعراء. ولذلك أحفز الرمال الطاهرة التي تقوم عليها، لتتخلص من تواضعها، وتنفض غبار الماضي ، وتنطق من جديد وتقول كيف إنها كانت جامعة بلا أسوار منذ قديم الزمان.
علماء قبل البناء
فأقول بلسانها الجميل:يا أيتها الرمال التي هي ليست هنا، وكنت وراء التاريخ، تجمعي من جديد. قولي تحدثي عن هؤلاء، اشهدي وكوني أجمل شاهد من أهله ولكنه صادق، فالبيداء ورمالها وتلالها لا تعرف إلا الصدق. فهي جزء من الطبيعية الجميلة والطبيعة لا تكذب. قولي لتلك الجامعات البعيدة هناك في أقصى الغرب، أنك ربما تكوني أكثر قدما مني كبناء. ولكن الأرض التي أنا عليها شاهدت علماء قبل البناء، وعندما كنت أنت أرضا لا تعرف من العلم حتى فوانيس خفيفة الضوء، كنت شمس ساطعة وكان وقتي كله نهار. فضوئي كان ساطعا عندما كنت أنت غابات بلا عماد ولا معان ولا علماء، وأمطار بلا تفسير.
صرح علمي بلا حدود
هنا في هذه الصحراء الجديدة داخل هذا البناء الجديد كان يسير علي علماء بكل شيء. علماء كلام ودين وفلسفة ومنطق، جميعا اسمهم أخذ من حقيقتي العربية التي هي أنا. إذا أنا بمفاهيم العلم أقدم من أن تكوني وأكثر عراقة من تلك العراقة التي وضعها قوانين جديدة اسمها تاريخ رقمي مكتوب. كنت أنا صرح علمي بلا حدود أو بناء أو أسوار، عندما كان لا شيء غيري يبوح بكلمات الشعر ومنطق العلماء وعمق حكمتهم.
ما هو العلم ؟
ما هو العلم إذا ؟ إنه العمق والإبداع الذي ما زال موجودا بكل قصائدي ومعلقاتي التي لا تعرفي عنها شيئا. هؤلاء الذين كانوا حاملي أعلى المؤهلات بما يحتويه عقلهم وليس عنوان كتابهم أو اسم لقبهم. هم أسماء لا تسبقها ألقاب. فاللقب لا يسبقه لقب. فالمتنبي هو اللقب بعينه وكذلك جرير.
أعالي “هجر”
أتعرفين ذاك الذي كان ينظر الأعمى إلى أدبه و كانت كلماته تسمع من به صمم؟؟ أتعرفين ذاك الذي قال أي مكان أرتقي وأي عظيم أتقي، وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، من شعرائنا؟؟ كلهم مروا من هنا وأقاموا في مكان ما في أعالي “هجر” حيث أنا ولست أنت. هل فعلها شوسر أو أليوت أو نيرودا أو حتى شكسبير؟؟ هم كنز علمي فيه كل ما عندك الآن عندما كان عندك في تلك الحقبة القديمة لا شيء مما هو عندي أنا العربية الجميلة بكل جدائلها المعرفية التي عرفها التاريخ الذي سيعود حاضرا وفي نفس المكان من جديد. سيعود هذا البناء قديما.
كنت أنا كل شيء
وسيسير به من يكمل مسيرة هؤلاء الذين عندما كانوا لم يكن هناك أحد حتى في أعالي الصين. كنت إشعاعا أخذت مني بعض ضوؤه وتعتقدي الآن أنك أنت من يستحق أن نقول عنه أنه كل شيء. كنت أنا كل شيء. وهذه حقيقة يرويها شعر المتنبي وطب ابن سينا وابن الهيثم الذين هم مني أنا، ومريولهم الأبيض الجميل العربي، والذي عندما كان لم يكن لديكم مريول ولا حتى أداة تجرؤ على شق بطن وعمل شيء اسمه عملية جراحية لم تكن حتى حروفها معروفة ولا في أي مكان. هنا بدأ العلوم والكلام وأجمله وأدقه وأصدقه.
جامعة الملك فيصل
في هذه الصحراء التي بها أنا –جامعة الملك فيصل- كانت جامعة قبل حتى ما تعرف الدنيا جامعة كما كنت أنا بلا أسوار ولكن بكتب ما زالت بين يدي ويديكم وهي لي ومني وعليها تم بناء الصرح الذي تقولون أنه أقدم بناء. أنا الأساس لذلك البناء الذي يفاخر أنه أعرق الجامعات. أنا الأساس الذي أستطيع أن أكون هنا من جديد. وأنمو من جديد. فالجذر بحمد الله لم يقطع. إنما حاول البعض قطعه. ولكن بقي العمق يحتوي تلك البذرة التي لا تستطيع أن تنبت من جديد بنفس العمق والجمال، الذي لم يكن إلا هنا.
في قلب الصحراء
إذا نحن لسنا عابرون على هذه الأرض وعلى هذا المجال. نحن الأرض التي انطلق منها كل العلوم. حتى ذلك الفضاء الذي ربما رأيتموه قبلي، كان لا يمكن أن يكون لو لم تضع عيوني أنا أولى أساسه وشكله وتخيله. ألم يطير الأول منا. تعرفون عباس ابن فرناس؟ هو الذي شكل الطيران الأول حيث وصلتم وهو رجع وسقط على الأرض التي منها غامر. أتيتم وأخذتم نفس الريش الذي وضعه وطرتم به ووصلتم إلى الحد الذي كاد هو عليه أن يصله. رأيتم ما وضعه هو والذي لولاه لما استطعتم أن تصلوا بتلك المركبة فضاء كان سيبقى مجهولا لولا جناحي ابن فرناس وقوانين الخوارزمي. هي تلك الجامعات التي في داخل أسوارها على الرمل المفتوح في قلب الصحراء درسوا ثم علموا بلا أنانية و أعطوا علمهم لكل البشر.
الأنانية البشرية
الآن تلك الكلمات التي كانت لنا وأعطيناها بكل كرم، أصبحت أسرارا يسمونها علمية، بالبخل تبقى أسرارا علمية، وبالحقيقة ضرب من الأنانية البشرية التي تحرم الآخر على أن يبني على ما عندنا ليفعل هو ما يستطيع. فتحنا أرضنا العلمية لكل شخص. وجعلناهم ينهلون منا بدون كلل أو ملل أو شعور بالذات والأنا . الآن تظلمون صحراءنا بألقاب هي ليست لنا ولا فينا.
علمائي هنا منذ قديم الزمان
ولو كانت هي شيء عابر سيزول وتبقى الحقيقة إن هذه الصحراء العربية هي أكبر الجامعات وستبقى وستعود.إذا هذا هو تاريخ جامعة الملك فيصل. وبهذه المفاهيم علماؤها لم يولدوا في القرن العشرين حتى تكونوا أنتم في الصين ووراء المحيطات أكثر مني عراقة. علمائي ولدوا من جديد على نفس الأرض التي بها أنا. على نفس الأرض التي شاهدت أجمل العلماء. هذا السور الذي دار حولي فقط هو أكثر تجددا من سور جامعتكم “السربونية” أو “الهارفردية”. ولكن قبل السور كنت أنا الحرم الجامعي الواسع يسير بي طلاب تميزوا ، وبمكان ما فوق الصحراء أدوات طب قديم كانت هنا موضوعه في مكان ما فوق الرمال التي على حباتها توجد جامعتي أنا. بكل المقاييس إذا أنا الأكثر عراقة وعلما ومعرفة وحبا ووجودا وكرما وإنسانية. جامعتي كانت هنا منذ قديم الزمان. عندما كانت أرض جامعاتكم غابات يسكنها أناس يركضون وراء وحوش لأكلها. كنا نحن نكتب الشعر، وكنا نركض وراء الطير لنعرف كيف يطير حتى تطيروا أنتم. حتى لو طرتم قبلي وصنعتم الشيء الذي به نطير، إننا نحن من عرف الطير وراقبه وكتب كيف يستطيع القفز. وحتى نفس الأبر والأدوات التي بها أصبح لكم السبق العلمي، الحالي، كنا نحن من أوجده ووضعه لكل البشرية. إذا جامعتي هنا منذ القدم بلا أسوار وبلا ألقاب وبلا مستجدات. علمائي هنا منذ قديم الزمان.
1 ping