أكثر حالات عزوف القراءة التي يعاني منها الشعب العربي عموماً إنما نتاج الحصار الذي فرضته تتابع السُّلطات المتعسّفة على المخزون الانساني العربي ككل .
فالحذر الشديد الذي إلتزمته معظم القيادات والأنظمة العربية السابقة ضد كل مايمكنه سحب سلاح القوة من بين ايديهم كان سبباً كافياً لعدم منازعة الناس أفكارهم وآراءهم بل وإجبارهم على كبتها ودفنها قسراً في هوة عقلية سحيقة وتجاهل دوي أصواتها في كل الأحوال وهذا ماجعل الكتابات الفارغة أو المحشوة بالتملق للسلطة تتسيد المشهد قديماً وحديثاً بل وصل الأمر بالسلطات المهيمنة أن تقتحم المقدس وتُكيل تُهم الزندقة والارتداد والمروق من الدين لفرق مشهورة في الاسلام لمجرد انها تنفست ذاتها في بعض عصور الخلافة الاسلامية الراشدة ووصمت جبين مرحلة كاملة بالانحطاط واعتبرتها سقطة تاريخية لمجرد هذا السبب .
فمن منّا يجرؤ على انكار الإزدهار العلمي أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي كان يحلو له مجالسة العلماء والأدباء والشعراء وتشجيعهم على البحث والتألييف كما شهد هذا العصر انشاء عدد لابأس به من المدارس كالمستنصرية والنظامية والعصمتية والمرجانية ومدرسة سابور وقد كانت خطوة الإنشاء هذه مُبْكِرَة لتمدين الجزيرة العربية آنذاك .
حملة التشويه الغريبة التي اتبعها علماء الدين في السنوات الاخيرة في تشويه محاولات العلماء (علماء الكون ) لتحرير المعرفة من قيود النمطية والتقليدية تدعو إلى التساؤل عن الاسباب الكامنة وراء ذلك وهل حقاً انها سياسية بحتة ام انها ديدن السلطات الهزيلة أيا كان تسلسلها الرُّتبي في المجتمع عندما يهدد عرشها احد أم ان الرِّيادة كانت لخدمة مصالح السياسة و مع مرور الزمن تأدلج على ذلك المجتمع حتى بات عاجزاً عن الخروج من شرنقتها.
وقد تأثرت الكتابة بلا شك جراء ذلك ولم يستطع النفاذ من الشّرك إلا قلة قليلة من كتاب الساحة العربية ومثقفيها كجبران خليل جبران و أحمد مطر وغسان كنفاني ونوال السعداوي وتركي الحمد ... وغيرهم بغض النظر عن توجهاتهم العقائدية طبعاً .
وتلك الوصاية الصّارمة بلاشك طعنة في صميم الابداع العربي وسبب ركوده طوال السنوات المنصرمة بل وتأثُر مصداقيته لدى الفكر العالمي ككل فماجدوى الكتابة بلاحرية وما الجديد الذي قد تقدمه في فضاء الانسانية الرحب والذي لايسع الرّث والبالي حتماً .
من هنا هتقع على كاهل الكاتب الحر مسؤولية كبيرة حينما يتصدر المشهد ويرفع قلمه لتدوين شهاداته على مايحدث من حوله دون اعتبارات لقيود مجتمعية أو سياسية أو دينية حتى لكي لا يجف حبره عبثًا وحتى لايتهكم القاريء على كتاباته التي لاتحوي أي معنى فالمعنى ينتصر دائماً للمصداقية لا إلى سواها .