ظل الحب كنزاً مدفوناً ، لم يعثر عليه المتعلّقون به أو الباحثون عنه ..
وقد حار المنقّبون الذين ظلوا يحفرون في كل ناحية دون أن يعثروا على أيّ أثرٍ من جوهره ..
ربما صوّره الشعراء كالوردة التي يقتطفها العشاق متى شاؤوا وأرادوا ..
وربما أنزلته محلات (بيع الزهور) لمن أراد أن يمد يده ليقدم زهرة عربون محبة ..
ربما يُترنم في كلمات تقفز من لسان عاشقٍ حتى تجف اللغة عنده ..
ربما ... وربما ...
فهل الحب بهذا الصورة ؟
الحب صورة ذهنية تسرّبت إلينا من أنهر قديمة ..
هذه الأنهر شارك في حفرها وتعبئتها المحيط بنا من الأسرة المباشرة إلى الأبعد في سلسلة النسب أباً عن جدٍ .. إلى الظروف الاجتماعية ، والعادات والتقاليد التي تشكّل هوية مجتمعنا وتاريخه القديم ..
إذن (الحب) وصل إلينا كقيمة إنسانية من خلال هذه السلسلة الطويلة ...
وبالتأكيد أنه حمل سماتهم وتصوراتهم وتجاربهم وآمالهم وحدود رؤاهم وأذهانهم ..
وهذا يعني أن (صورة الحب) تشكلت في (اللاواعي العميق) دون إرادة منا ..
وهذه الصورة تنبعث في الحياة من غير أن نتدخل لإعادة تشكيلها ..
ليكون تمثلنا بالحب وفق ماوصل إلينا لا وفق مانريده ..
وهذه أولى الإشكاليات التي ينبغي أن نعيها عن مفهوم (الحب) ..
الحب الذي بأيدينا الآن تعود مواصفاته إلى أشخاص عاشوا تجارب لا تنتمي لتجاربنا ..
الحب الذي نراه الآن ..
تارة يكون معناه : التملّك .
فحينما أحبك ، يعني أن أتملكك ..
وتارة يكون هذا الحب معناه : أن تكون مثلي .
فحينما أحبك فلا بد أن تكون مثلي في كل شيء ، وإلا فارقتك ..
وتارة يكون الحب معناه : تبادل الغزل لخارطة الجسد
فحينما أحب زوجتي ، أو أحب زوجي ، فيعني : أنني أحدد المواصفات مسبقاً للخارطة الظاهربة ، من ثم أقرر أن أحبه وفق هذه المقاييس .
وتارة يكون الحب معناه : أن أحب نفسي فيك ، وأن أتحكّم بمن أحب في كل شاردة وواردة ..
وتارة .. وتارة ...
وما أكثر المعاني والإسقاطات ، وما أبعدها عن جوهر الحب المكنون ! ..
إن هذه التمثلات كانت تلقائية من غير أن نهذّب المفاهيم والتصورات المحمولة من إرث العادات والتقاليد الاجتماعية ..
وبالرغم من وجود حالات ناضجة للحب عاشت مع تاريخ الآباء والأجداد .. كقيمة التضحية والصبر والأمل والإيثار و ... .
إلا أننا لا نعرف منها إلا الصور الخدّاعة والمزيّفة ..
وقد شاركت التقنية الحديثة في رسم الصور مضخمة عن الحب من تلك الأنهر
وقدمته (رومانسياً غزلياً) كدغدغة مشاعر فياضة ..
ولم تلتفت للجانب المعنوي والروحي والواقعي ، والذي تقوم الحياة على هذه الأسس والقيم العليا .. مما عززت صورةً مشوّهة وغير نقية عنه ..
وفي إطار ذلك :
هل يمكننا أن نعيد رسم لوحة الحب بما تجود به فرشاتنا ؟
هل يمكننا أن نعثر على جوهره المكنون بالبحث في خارطة جديدة ؟
لن أجيب ...
سأترك لضميرك اليقظ أن يدير هذا السؤال المؤرق ..
فالحب ليس حكراً لأحد
إنه يمنحك في حال فتحت نافذتك لنسيمه ..
إنه يصوغك بالقيم الإنسانية إذا فتحتَ أبوابك له ..
فقط وفقط ..
اصغي لذاتك
وكن في سلام
فسترى الحب يرفرف بك ! .
1 ping