ترتبط المعرفة التاريخية - لا محالة - بعنصرين :
١- المادة التاريخية (الأحداث والشخصيات والآثار) .
٢- عقل المؤرخ ومنهجه واتجاهه .
ويمثل (المؤرخ) دور الوسيط الناقل للمادة التاريخية ، مثلما تمثل الآن وسائل الإعلام وتقنيات التواصل وقائع العصر (مع الفارق في طبيعة نوع الوسيط) .
وما نفتقده في تعرفنا للماضي هو : الشهود والمعايشة .
أي أن كل ما نملكه عن ماضينا محدود بين المادة المدونة أو الآثار الباقية لتلك الأحقاب بعكس واقعنا المعاصر الذي نستطيع التعرف عليه بأكثر من مجرد النقل المدوّن والشفاهي أو الآثار البسيطة .
ولكن مع ذلك ، فقد تكون معارفنا عن واقعنا قاصرة أو موهومة أو مخدوعة بسبب التزييف والنقل غير النزيه الذي تمارسه كثير من القنوات الإعلامية .
عندئذٍ يكون نصيب معرفتنا بالماضي والحاضر سواء في عدم الوصول لحقائق أو وقائع صادقة .
وتبقى سمة (الشهود والمعاينة) هي الطابع المفضّل للوقوع على أكبر قدر ممكن من الأحداث والمجريات المعقدة .
والأكثر أهمية من هذه السمة : التفكّر والتحليل والتحري الدقيق لأي خبر (يقع أو يتم تناقله) فعن طريق هذه نتجاوز حدود المدونات المكتوبة والنقولات السمعية أو المرئية لعرض كل ما يرد إلينا على طاولة النقاش والبحث والنقد .
فبفضل التعقل والبصيرة والوعي نعود بمركبة (المعرفة) إلى الوراء خلف خطوط الزمن وصولاً لحاضرنا حتى مستقبلنا الذي نستطيع التنبؤ ببعضه أو معظمه انطلاقاً من (المعرفة التحليلية والنقدية) .