تهنئة وتوطئة:
نبارك للمؤمنين لاسيما شيعة علي وآله الطاهرين عيد الغدير وتجديد البيعة والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام وكل غديرية وأنتم بألف خير.
الليلة ستعقد احتفالات الفرح والمسرات وسيتم الحديث عن (يوم الغدير وقصته ودلالته) لذا فإني لن أتحدث في هذا الموضوع عن الغدير بل سأكتفي بما سيقوله الآخرون عنه وأما أنا فستكون مشاركتي لكم فرحة هذه المناسبة بحديث آخر يسلط الضوء على إمامة أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
هذا الموضوع اقتطعه لكم من كتابي (كلمة حول الإمامة) الذي قدم له سماحة العلامة الشيخ حسين العايش حفظه الله ورعاه فإلى الموضوع الذي آمل أن يجمع بين الجديد والمفيد وبين المتعة والفائدة.
إشارة مجملة إلى النصوص النبوية:
منذ أن بعث الله تعالى النبي الأكرم بالرسالة وهو صلى الله عليه وآله يحكم الأمر لأمير المؤمنين والمعصومين من ذريته صلوات الله عليهم أجمعين فلم يترك عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام مناسبة من المناسبات إلاّ وينص فيها على إمامة الأئمة المعصومين تارة بالإشارة وأخرى بالعبارة ومرة بالتصريح وأخرى بالتلويح وليس هناك أكثر من هذه النصوص الصريحة الصحيحة التي بلغت حدّ التواتر ورواها الخاص والعام في مؤلفاتهم بطرق مختلفة وأسانيد متعددة.
ولسنا في صدد تأليف كتاب كبير عن الإمامة حتى نسرد تلك النصوص الجلية التي لا تقبل الشك والريب ولا تخضع للتأويل والتخريج والتحريف مثل حديث الثقلين وهو قوله صلى الله عليه وآله: (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإني سائلكم عنهما يوم القيامة) المستدرك على الصحيحين ج3 ص 418 وحديث السفينة وهو قوله صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تعلّق بها فاز ومن تخلّف عنها زج في النار) ذخائر العقبى ص 20 .
وحديث باب حطة وهو قوله صلى الله عليه وآله: (إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له) صواعق ابن حجر باب الأمان ببقائهم (ع) ص270 وحديث الأمان وهو قوله صلى الله عليه وآله: (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض) وقال صلى الله عليه وآله: (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفت فصارت حزب إبليس) نفس من المصدر والباب والصفحة.
وحديث: (من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوالِ علياً من بعدي، وليقتدِ بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا علماً وفهماً فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي) شرح ابن أبي الحديد ج3 ص 252 وحديث (ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات شهيداً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمد يزفّ إلى الجنة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً ألا ومن ما ت على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة) التفسير الكبير للفخر الرازي ج28 ص166.
وحـديـث تشبيه أهـل البيت بالشجـرة فـي الجنة وأغصانها في الدنيا الذي يقول فيه صلى الله عليه وآله: (أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن تمسك بها اتخذ إلى ربه سبيلا) الصواعق المحرقة باب الأمان ببقائهم ص270 وقد ذكرنا هذه الأحاديث والكثير غيرها في كتابنا (في رحاب آية التطهير) الذي قدم له سماحة العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي وعلّقنا عليها بما يناسب المقام.
إلى غير ذلك من أحاديث الخلافة ونصوص الإمامة التي لا سبيل إلى إنكارها وليس من الممكن جحدها بعد أن رواها الخاص والعام في أمهات المصادر والمراجع والتي لو ذهبنا نستقصيها ونُفصّل القول فيها ونشرح معانيها ونُبيّن مغازيها لطال بنا المقام ولخرجنا بمؤلف كبير جداً يتكون من مئات الصفحات وقد كفانا مؤونة ذلك علماؤنا الأعلام.
لذا رأينا أن نكتفي من كل ذلك بذكر الشيء اليسير من الأحاديث التي نصّ فيها النبي على إمامة أهل البيت وذكرهم بعددهم وأسمائهم سلام الله عليهم ونعلق عليها بما هو نافع ومفيد إن شاء الله فمن ذلك ما يلي:
أولا-النص على أن عدد الخلفاء إثنا عشر:
عن جابر بن سمرة قال: كنت عند رسول الله فسمعته صلى الله عليه وآله يقول: (لا يزال أمر هذه الأمة ظاهراً حتى يقوم اثنا عشر خليفة) وقال كلمة خفيت عليَّ وكان أبي أدنى إليه مجلساً مني فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلهم من قريش) المستدرك على الصحيحين ج3 ص617 وعن جابر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة) فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وآله لم أفهمه، فقلت لأبي: ما يقول؟ قال: (كلهم من قريش) رواه القندوزي في ينابيع المودة الجزء 3 باب 77 ص104وقال: (للشيخين، والترمذي، وأبي داود بلفظه ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقاً في أن الخلفاء بعد النبي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش في البخاري من ثلاثة طرق وفي مسلم من تسعة طرق وفي أبي داود من ثلاثة طرق وفي الترمذي من طريق واحد وفي الحميدي من ثلاثة طرق) ثم ذكر القندوزي أحاديث أخرى في هذا المعنى عن البخاري ومسلم وكتاب مودة القربى للهمداني وغيرهم فراجعه من ص104 إلى ص107 وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: كنت عند النبي فقال صلى الله عليه وآله: (لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي إثنا عشر خليفة) ثم قال كلمة وخفّض بها صوته فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عم؟ قال: قال يابني: (كلهم من قريش) المستدرك ج3 ص618.
ثانيا-عدم موضوعية البعض في تفسير هذه النصوص:
وكما رأينا فإن هذه الأحاديث وردت من عدّة طرق، ورواها الفريقان السنة والشيعة مع الإذعان لها والإجماع على صحتها وإن اختلفوا في تعيين أولئك الخلفاء وتحديدهم بأشخاصهم فنرى السيوطي -مثلاً- يخبط في تحديد هؤلاء الخلفاء الذين نصّت عليهم هذه الأحاديث الشريفة خبط عشواء ويسير على غير الجادة ويحاول أن يفسر هذه الأحاديث تفسيراً أقل ما يقال عنه: إنه بعيد عن الموضوعية والتعقل وتلوح عليه علامات التعصب والميل مع النفس والهوى.
ويتجلى لنا ذلك بكل وضوح عندما نسمعه يقول :(وُجِدَ من الاثني عشر خليفة: الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز هؤلاء ثمانية ويحتمل أن يُضمّ إليهم المهتدي من العباسيين لأنه كان فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي من آل بيت محمد) تاريخ الخلفاء ص13 وأعجب من هذا ما ذهب إليه القاضي عياض وابن حجر (كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص11-12) من محاولة تطبيق هذه الأحاديث على الخلفاء الأربعة وملوك بني أمية الـذين منهـم يزيـد بـن معاويــة الذي سفك دم العترة الطاهرة في أرض كربلاء وسبى بنات الوحي والرسالة وأوقفهن في المجالس يتفرج عليهن القريب والبعيد وهو مظهر بذلك الشماتة والفرح بالانتقام من رسول الله صلى الله عليه وآله ويترنّم بأبيات ابن الزبعرى:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهـلـوا واسـتـهـلـوا فــرحاً
ثـم قـالـوا: يـا يـزيـد لا تـشل
قـد قـتلنا القرم من ساداتهم
وعـدلـنـاه بـبـدر فـاعــتــدل
لـعـبـت هـاشـم بالـملك فـلا
خـبـر جـاء ولا وحـي نـزل
لست من خندف إن لم انتقم
مـن بـني أحمد ما كـان فعـل
والذي سيّر جيشاً يتكون من اثني عشر ألف بقيادة مسلم بن عقبة إلى حرم رسول الله طيبة الطيبة وأمره بقتل الصحابة والتابعين وإباحة المدينة لمدة ثلاثة أيام فكل ما فيها من دابة أو سلاح أو طعام أو مال فهو للجند.
ومن أولئك الخلفاء الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي اشتهر عنه إنه فتح القرآن الكريم فخرج قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} سورة إبراهيم الآيتان 15-16.
فألقى المصحف من يده وأخذ يرميه بالسهام وهو يقول:
تـهـددنـي بـجـبار عـنـيـد
فـهـا أنا ذا جـبـار عـنيــد
إذا ما جئت ربك يوم حشرك
فـقـل يـا رب مـزّقـني الولـيد
والذي يقول في بعض شعره كما ذكر محمد بن يزيد المبرد النحوي:
تلعَّب بالخلافة هاشمي
بلا وحي أتاه ولا كتاب
فقل لله يمنعني طعامي
وقل لله يمنعني شرابي
ولو أردنا أن نفصلّ الحديث عن هؤلاء الملوك ومساوئهم التي سوّدت وجه التاريخ وشوّهت الصورة الحقيقية الناصعة لنقاء الإسلام وطهارته لرأينا أنهم هم الشر والظلم والفساد حيث أنهم {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} سورة المائدة الآية 79 حتى امتلأ تاريخهم بالظلم والمساوئ وشتى الأعمال اللاأخلاقية التي يندى لها جبين الإنسانية وتترفع عن ممارستها حتى البهائم والحيوانات.
ويستحيل -عقلا- أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد عنى بتلك الأحاديث الشريفة هؤلاء الأشخاص الذين هم أبعد ما يكونون عن روح الإسلام وتعاليمه الرائدة.
ثالثا-عدم انطباق صفات الإمامة على هؤلاء الملوك:
والعجب أن يذهب البعض من العامة إلى أن النبي صلى الله عليه وآله قد عنى بهذه النصوص هؤلاء الملوك مع أن العامة أنفسهم يذكرون في مصنفاتهم ومؤلفاتهم شروطاً للإمامة لا يمكن أن تنطبق على هؤلاء الملوك بأي حال من الأحوال فمن الشروط التي يذكرها عبد القاهر البغدادي: العلم والعدالة والورع والاهتداء إلى وجوه السياسة وحسن التدبير.
ومن الشروط التي يذكرها أبو الحسن البغدادي الماوردي: العدالة على شروطها الجامعة، والعلم المؤدي إلى الاجتهاد والرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، والشجاعة والنجدة ومن الشروط التي يذكرها ابن حزم: أن يكون عالماً بما يلزمه من فرائض الدين، متقياً لله بالجملة غير معلن الفساد في الأرض هذه بعض شروط الإمامة عند العامة، وهي لا يمكن أن تنطبق على هؤلاء الملوك جملة وتفصيلاً وإذا كان هؤلاء الملوك فاقدين لهذه المؤهلات فكيف يقرّر بعض علماء العامة بأنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يعني بالنصوص التي تنصّ على أن الخلفاء من قريش هؤلاء الملوك؟!
انطباق هذه الأحاديث على أئمة أهل البيت:
والحق أنه لو أنصف القوم لرأوا أن هذه الأحاديث لا تنطبق إلاّ على الأئمة الاثني عشر من العترة النبوية الطاهرة ابتداءً بأمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب، وانتهاء بقائم آل محمد الإمام المهدي المنظر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فهؤلاء الأئمة هم الذي تجسّدت فيهم كل القيم والمبادئ الإنسانية وجميع الفضائل النفسانية، وسيرتهم الطاهرة وحياتهم الطيبة وتاريخهم المشرق الحافل بكل معاني العظمة والجلال خير شاهد على ما نقول.
صدوع بعض المحققين بالحق في تفسير هذه النصوص:
وإذا كانت العصبية العمياء قادت البعض إلى مخالفة الحق ومجانبة الحقيقة رغم وضوحها مما جرّهم إلى اختلاق الأقوال في تطبيق هذه الأحاديث على أشخاص لا يمكن أن تنطبق عليهم، فإن أصحاب الضمائر الحرة والقلوب الحية والأفكار الواعية والعقول النيرة الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يغضبهم الحق مهما كان مراً قد نطقوا بالصدق وتكلموا بالحق مقدمين في ذلك الدليل والبرهان على العصبية العمياء.
فقد نقل سليمان القندوزي عن بعض المحققين أنه قال: (إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله اثنا عشر، قد اشتهر من طرق كثيرة فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان عُلِمَ أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا الأئمة الاثنا شر من أهل بيته وعترته إذ لا يمكن أن يُحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر.
ولا يمكن أن تحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز ولكونهم غير بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (كلهم من بني هاشم) في رواية عبد الملك عن جابر وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله في هذا القول يرّجح هذه الرواية لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن تحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم الآية : {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ} سورة الشورى الآية 23، وحديث الكساء.
فلابدّ أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترتة صلى الله عليه وآله، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله وكان علومهم عن آبائهم متصلاً بجدهم صلى الله عليه وآله بالوراثة واللدنية كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق قال: ويؤيد هذا المعنى ويشهد له ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها، وأما قوله صلى الله عليه وآله: (كلهم تجتمع عليه الأمة) في رواية جابر بن سمرة.
فمراده صلى الله عليه وآله أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامتهم كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي رضي الله عنهم) ينابيع المودة الجزء 3 باب 77 ص105-106 أو أن الأمة تجتمع على الإقرار بفضلهم وعلمهم وتقواهم سلام الله عليهم أجمعين كما يرى ذلك جعفر مرتضى العاملي في كتابه (الحياة السياسية للإمام الجواد عليه السلام) ص53 وإن كنت أرجح الرأي الأول (أعني الاجتماع عليهم والاقرار بإمامتهم وقت ظهور قائمهم) لأنه هو الذي ينسجم مع مدلول تلك الأحاديث وأما الإجماع على فضل الأئمة وعلمهم وتقواهم (كما يرى جعفر العاملي) فهو متحقق لهم الآن كما أنه ليس إجماعاً على إمامتهم ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعني الإجماع على إمامتهم سلام الله عليهم أجمعين كما هو اللائح من هذه الأحاديث.
وعلى أي حال فإن هذه الأحاديث لا مصداق لها، ولا يمكن انطباقها إلاّ أئمة الشيعة الإمامية الذين لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق في الفضائل والمناقب كما أكد ذلك النبي بقوله صلى الله عليه وآله: (نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد) ذخائر العقبى ص17.
وقد قال أمير المؤمنين الإمام علي المرتضى عليه السلام: (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم) نهج البلاغة فهرسة الدكتور صبحي الصالح ص201 وشرح ابن أبي الحديد ج3 ص187.
القرائن والأدلة على انحصار هذه الأحاديث في أئمة أهل البيت عليهم السلام:
والذي يدفعنا إلى القول بأن هذه الأحاديث منحصرة في أئمة أهل البيت عليهم السلام بالإضافة إلى ما سبق عدّة حقائق أخرى، هي كما يلي:
أولا: تصريح النبي صلى الله عليه وآله بأن هؤلاء الخلفاء كلهم من بني هاشم.
فعن جابر بن سمرة قال كنت مع أبي عند النبي فسمعته صلى الله عليه وآله يقول: (بعدي اثنا عشر خليفة) ثم أخفى صوته فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: (كلهم من بني هاشم) ينابيع المودة الجزء 3 باب 77 ص104 وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله قد حصر الخلافة في قريش ومنهم في بني هاشم ولهذا لا نستطيع أن نستدل على خلافة الخلفاء الثلاثة وبني أمية بأحاديث حصر الخلافة في قريش، لأن هذه الأحاديث ليست على إطلاقها وإنما هي مقيدة بأحاديث أخرى، من بينها هذا الحديث الذي يحصر الخلافة في بني هاشم.
ونحن إذا قرأنا تاريخ بني هاشم، وتعرّفنا على أحوالهم فلن نجد فيهم من هو أفضل من الأئمة الطاهرين الذين تعتقد بإمامتهم الشيعة الإمامية وتعترف بفضلهم الأمة الإسلامية.
ثانيا: إن النبي صلى الله عليه وآله صرّح بأن الخلافة ليست في عموم بني هاشم وإنما هي في أناس مخصوصين منهم فقد قال صلى الله عليه وآله: (من ولد الحسين بن علي أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم) وقال سلمان: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله فإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل خديه ويلثم فاه ويقول: (أنت سيد ابن سيد أخو سيد وأنت إمام ابن إمام أخو إمام وأنت حجة ابن حجة أخو حجة أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم المهدي) وبهذا البيان النبوي يتضح لنا أن الإمامة ليست في عموم بني هاشم وإنما هي منحصرة في طائفة منهم وهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة التسعة من ذرية الإمام الحسين وهؤلاء هم الذين يعتقد الشيعة الإمامية بإمامتهم ويدينون الله عز وجل بولايتهم سلام الله عليهم.
ثالثاً: إن النبي صلى الله عليه وآله قد عرّف هؤلاء الأئمة، وذكرهم بأسمائهم واحداً بعد واحد، ونصّ على خلافتهم في أحاديث كثيرة رواها السنة والشيعة.
وقد ذكر السيد على نقي الحيديري في كتابه (مذهب أهل البيت) بعض هذه الأحاديث ثم قال: (وقد جاء ذكر الأئمة الاثني عشر عن النبي صلى الله عليه وآله في أحاديث كثيرة جداً، غير ما ذكرناه في هذه الكتب وفي غيرها من كتب أهل السنة، مثل أربعين ابن أبي الفوارس وكتاب الحافظ ابن الخشاب والبيان للحافظ الكنجي وأربعين الشيخ أسعد بن ابراهيم الحنبلي وفصل الخطاب للخواجة بارسا الحنفي وغيرها غير ما ورد من طرق الشيعة فإنها لا تحصى) .
ونحن نكتفي من كل تلك الأحاديث بهذا الحديث الجليل المروي عن سلمان المحمدي حيث قال: خطب رسول الله خطبة بليغة يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال صلى الله عليه وآله: (أيها الناس إني راحل عن قريب ومنطلق للمغيب وإني أوصيكم في عترتي خيرا فلا تخاصموهم ولا تنابذوهم وإياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار معاشر الناس: من افتقد منكم الشمس فليتمسك بالقمر ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزواهر أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين) قال سلمان: فتبعته صلى الله عليه وآله وقلت: يا رسول الله ما الشمس؟ وما القمر؟ وما الفرقدان؟ وما النجوم الزواهر؟.
فقال صلى الله عليه وآله: (أنا الشمس وعلي القمر فإذا افتقدتموني فتمسكوا به وأما الفرقدان فهما الحسن والحسين فإذا افتقدتم القمر فتمسكوا بهما وأما النجوم الزواهر فهم الأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائمهم) ثم قال صلى الله عليه وآله: (إنهم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي أئمة أبرار وأولياء أطهار بعدد أسباط يعقوب وحواري عيسى وعدد نقباء بني إسرائيل) قال سلمان فقلت :سمهم لي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله: (أولهم وسيدهم علي بن أبي طالب ثم سبطاه الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن العسكري وآخرهم الحجة القائم المهدي القائم بالأمر المنتظر محمد بن الحسن فإنهم عترتي ولحمي ودمي ومخي وعظمي علمهم علمي وحكمهم حكمي من آذاني فيهم لا أناله الله شفاعتي يوم القيامة)
اصطفاء الأئمة واختيارهم إنما هو من الله وليس للنبي في ذلك إلا التبليغ عن ربه:
ومن الغني عن البيان قولنا: إن اصطفاء هؤلاء الأئمة واختيارهم إنما هو من الله تبارك وتعالى، وليس للنبي صلى الله عليه وآله في ذلك أي دور إلاّ إخبار الناس وإبلاغهم بذلك عن الله، كما يدل على ذلك الكثير مـن الآيات القرآنية الحكيمة النازلة في الصفوة المختارة، مثل آية أولي الأمر وهي قوله تعالى في الآية 59 من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} ففي ص22-23 من كتاب (روائع من حياة الأئمة) قال جابر بن يزيد الجعفي: سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} قلت: يا سول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته؟
فقال صلى الله عليه وآله: (هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته يا جابر فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان)
قال جابر: قلت: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلى الله عليه وآله: (إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب) وقد تناولنا هذه الآية الكريمة بشيء من التفصيل في ص114-116 من كتابنا (في رحاب آية التطهير) ويدل على ذلك أيضا آية الصادقين وهي قوله تعالى في الآية 119 من سورة التوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ففي الجزء1 باب 93 ص119 من الينابيع: أخرج أبو نعيم وصاحب المناقب عن الباقر والرضا قالا: (الصادقون الأئمة من أهل البيت)
وفي الباب 11 الفصل الأول ص181 من الصواعق قال ابن حجر: (كان الإمام زين العابدين إذا تلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} يقول دعاءً طويلاً يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقة لأئمة الدين والشجرة النبوية ثم يقول عليه السلام: (وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر .
إلى أن قال عليه السلام: فإلى من يفزع خلف هذه الأمة وقد درست أعلام هذه الملة ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضاً والله تعالى يقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات} سورة آل عمران الآية 105 فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة،هل تعرفونهم أو تجدونه إلاّ من فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في الكتاب)
وقد تحدثنا عن هذه الآية الشريفة في ص46-47 من كتابنا (في رحاب آية التطهير) وآية الاصطفاء وإرث الكتاب وهي قوله تعالى في الآية 32 من سورة فاطر: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ففي كتاب (قادتنا كيف نعرفهم) ج3 ص 274 أن أمير المؤمنين عليه السلام سأل رسول الله عن تفسير هذه الآية فقال صلى الله عليه وآله: (هم ذريتك وولدك) وفي تفسير الصافي ج4 ص238 أن الإمام الكاظم عليه السلام تلا هذه الآية فقال: (نحن الذين اصطفانا الله تعالى وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شيء)
وآية التطهير، وهي قوله تعالى في الآية 33 من سورة الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}والروايات الواردة من الفريقين في نزول هذه الآية في الأئمة الأطهار عليهم السلام كثيرة جداً منها ما روي عن أمير المؤمنين إنه قال: (دخلت على رسول الله في بيت أم سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية فقال رسول الله: يا علي، هذه الآية فيك وفي سبطيك، والأئمة من ولدك . فقلت: يا رسول الله وكم الأئمة بعدك؟قال صلى الله عليه وآله: أنت يا علي، ثم ابناك الحسن والحسين وبعد الحسين علي ابنه وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد جعفر ابنه وبعد جعفر موسى ابنه وبعد موسى علي ابنه وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد الحسن ابنه والحجة من ولد الحسين.
هكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت الله تعالى عن ذلك فقال: يا محمد، هذه الأئمة بعدك مطهرون معصومون، وأعدائهم ملعونون) انظر ج3 ص310 من البرهان في تفسير القرآن وقد تناولنا (آية التطهير) وتحدثنا عنها بالتفصيل في كتابنا (في رحاب آية التطهر) الذي يقع في (155) صفحة في نسخته بالكمبيوتر وهو لم يطبع بعد كما قدمنا عرضا موسعا عنها في ص572-684 من كتابنا الآخر (النقد عند العلامة الفضلي) حيث تحدثنا عن منهجه رحمه الله في دراسته لهذه الآية الكريمة، وقد طبع كتابنا هذا (مركز آية الله الفضلي للدراسات والبحوث) وأيضا يدل على ذلك آية الابتلاء وهي قو تعالى في الآية 124من سورة البقرة: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ففي ص276-277 من (مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي) عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: (أنا دعوة أبي إبراهيم) قلنا: يا رسول الله، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال صلى الله عليه وآله: أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فاستخف إبراهيم الفرح قال: يا رب {وَمِن ذُرِّيَّتِي} فأوحى الله إليه: أن يا إبراهيم إني لا أعطيك عهداً لا أفي لك به قال: يا ربّ ما العهد الذي لا تفي ليّ به؟ قال: لا أعطيك لظالم من ذريتك قال إبراهيم عندها: { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} سورة إبراهيم الآيتان 35-36.
قال النبي صلى الله عليه وآله: (فانتهت الدعوة إليّ وإلى علي لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني الله نبياً واتخذ علياً وصيا) وكذلك آية المودة وهي قوله سبحانه في الآية 23 من سورة الشورى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} ففي ج9 ص43 من مجمع البيان عن النبي أنه قال صلى الله عليه وآله: (إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ عنها هوى ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا أهل البيت كبه الله على منخريه في النار) ثم تلا صلى الله عليه وآله آية المودة.
ومثلها آية البلاغ وهي قوله جل وعلا في الآية 67 من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} حيث نزلت في يوم الغدير، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون فقال عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام: (أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم
فقال صلى الله عليه وآله: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه -قالها صلى الله عليه وآله ثلاثاً وقيل أربعاً- اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب) وقد ذكر العلامة الأميني في موسوعة الغدير نزول هذه الآية في أمير المؤمنين بهذه المناسبة عن ثلاثين مصدر من مصادر الجمهور فانظر ج1 ص214-223 من الغدير.
وآية إكمال الدين وهي قوله جلت قدرته في الآية 3 من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} حيث نزلت هذه الآية الشريفة بعد أن قال النبي في علي ما قال في يوم الغدير وبعد نزول هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله: (الحمد لله والله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي) وقد ذكر العلامة الأميني في ج1 ص 230 - 237 نزول هذه الآية في هذه الحادثة عن ستة عشر مصدر من مصادر القوم.
وآية الولاية وهي قوله عز شأنه في الآية 55 من سورة المائدة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} ففي ص149 من أسباب النزول للواحدي عن ابن عباس قال: أقبل عبدالله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وأن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدّقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا.
فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}ثم إن النبي خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلاً فقال صلى الله عليه وآله: هل أعطاك أحد شيء؟ قال: نعم خاتم من ذهب (المشهور أنه من فضة ولعل فيه تصحيفا) قال صلى الله عليه وآله: من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وآله: على أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع فكبر النبي ثم قرأ: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} المائدة الآية 56.
وآية الإنذار وهي قوله عز وجل في الآية 214 من سورة الشعراء: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} حيث جمع النبي لما نزلت عليه هذه الآية عشيرته وأنذرهم فقال: (يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير علي -وكان أصغرهم- إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وليّك عليه فأخذ رسول الله برقبته فقال صلى الله عليه وآله: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام الناس يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لأبنك وتطيع.
وللوقوف على مخرجي هذا الحديث من أهل السنة وعلى ما يعطيه هذا الحديث من حقائق ناصعة حول الإمامة راجع ص145-151 من كتاب المراجعات للإمام عبد الحسين شرف الدين من المراجعة رقم 20 إلى نهاية المراجعة رقم 25.
إلى غير ذلك من الآيات التي تؤكد لنا أن الخلافة بعد النبي إنما هي بالنص الإلهي المبين ذلك أن {اللّه أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.