كما نجد النصوص الدينية ــ كتابا وسنة ــ تؤكد تأكيدا كبيرا وكثيرا على الأخوة بين المسلمين،بل وترتقي إلى جعلهم نفسا واحدة،وجسدا واحدا،إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى بل وقد تعدى ذلك الدعوة اللفظية،إلى التجسيد العملي كما نلاحظ ذلك في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله،حيث آخى بين أصحابه مرتين، مرة في مكة المكرمة والأخرى في المدينة المنورة.
وإن دلت هذه النصوص الإسلامية وهذه السيرة العملية على شيء،فإنما تدل على أهمية وحدة المسلمين وقدسيتها الكبيرة في الفكر الإسلامي ومن هنا فإن واجب الأمة الإسلامية باختلاف طوائفها ومذاهبها،أن تحرص على هذه الوحدة،وتجد في العمل على ما يعززها ويقويها،وأن تقف أمام كل يد عابثة، هدفها تمزيق وحدة المسلمين،وتفريق كلمتهم،وتشتيت شملهم، وتضرب عليها بيد من حديد.
بل لعل الدعوة إلى نبذ الفرقة،والعمل على توحيد الأمة الإسلامية،أصبح من أقدس الواجبات،وأوجب المقدسات،خصوصا في هذا العصر،الذي انتشر فيه الإرهاب بكل أشكاله وألوانه،وهو لا يوفر أحدا من أي طائفة كان،وكذا في ظل وجود العدو الحقيقي،المتمثل في إسرائيل المغتصبة لفلسطين،وغيرها من الدول الاستعمارية، التي لا يهمها إلا استعمار الدول واحتلالها،ونهب خيراتها، واستعباد شعوبها، بغض النظر عن هويتهم ومعتقداتهم،مما يعني أن الخطر محدق بالجميع،ولا يستثني من كان سنيا أو شيعيا.
ولعلنا نستطيع أن نقدم بعض الرؤى والأفكار والمقترحات،التي من شأنها أن تساهم في ردم هذه الهوة الموجودة بين المسلمين،وتساعد على تقاربهم،وتعزيز وحدتهم، ومن بين ذلك ما يلي :
إن أولى الخطوات نحو تحقيق الوحدة بين المسلمين،باختلاف طوائفهم وتنوع مذاهبهم، هي أن لا نعتبر الوحدة فقط مشروعا من المشاريع،أو نجعلها مجرد هدف من الأهداف،فإن المشاريع من الممكن أن تفشل لأي سبب من الأسباب،ولو كان خارج إرادة الإنسان،كما أن الأهداف من الممكن أن تتغير بين حين وآخر، خصوصا حين يعتقد الإنسان أن ذلك الهدف لا قيمة له،ولا يستحق العمل من أجله،ولا التضحية في سبيله.
وعليه فلو اعتبرنا الوحدة فقط مجرد مشروع،أو نظرنا إليها على أساس أنها هدف أو غاية لا أكثر،فهذا يعني أن مشروعنا قد يفشل،ولو بسبب تلك العقبات التي تعترض طريقه،وهدفنا قد يتغير،أو قد نتكاسل عنه، ولا نوليه من العناية والاهتمام ما يمكننا من الوصول إليه،والعمل على تحقيقه وإنجازه،خصوصا في حال اقتنعنا أو اقتنع بعضنا أن هذا الهدف ليس مهما،أو على الأقل هو ليس بتلك الأهمية التي تستحق أن نجد في العمل من أجل تحقيقه.
ومن هنا فيجب علينا جميعا أن نصحح مفهومنا عن الوحدة،فلا نعتبرها مجرد مشروع أو هدف وغاية،بل علينا أن نجعل الوحدة الإسلامية قيمة من القيم الإنسانية العليا والفاضلة والمقدسة،ذلك أن القيم والفضائل لا يمكن أن تتغير،ولا أن تفقد قيمتها،مهما تغيرت الظروف،وتبدلت الأحوال، واختلف الزمان والمكان…تماما كما هو الحال في سائر القيم الإنسانية العظيمة المقدسة ،كالصدق والأمانة والوفاء والكرم والعدل…فهذه وأمثالها كلها قيم إنسانية فاضلة وعليا ومقدسة عند الناس جميعا…
لذلك ترى الناس كلهم من مسلمين وغير مسلمين يقدسون هذه القيم،ويحرصون عليها،وذلك لأنه لا يمكن للإنسان العاقل الواعي المحب للخير والقيم الإنسانية الفاضلة ،أن يتخلى عن القيم المقدسة لأي سبب من الأسباب،مما يعني أنه لا يمكن أن تفقد هذه القيم قيمتها على مر العصور، وتعاقب الدهور.
وكذلك الحال في الوحدة الإسلامية بين جميع المسلمين،فمتى نظر إليها المسلمون على أنها قيمة إنسانية عليا،وليست مجرد مشروع أو هدف،أو ما شابه ذلك من عناوين، اكتسبت قداسة خاصة في نفوسهم، وحرصوا جميعهم عليها،كما أنها ستبقى محافظة على هذه القداسة في نفوس الأجيال القادمة أيضا، باعتبار أن القيم الفاضلة لا تتغير ولا تتبدل، ولا تفقد قيمتها بين جيل وآخر
وكما أنه لا يستهين بالقيم المقدسة،ولا يحتقرها إلا المجرم، والمنحرف عن الفطرة السوية،فكذلك متى اعتبرنا الوحدة قيمة عليا ــ كما هي فعلا كذلك ــ عندها سنحكم على كل من يستهين بها،ويعمل على تمزيق وحدة المسلمين، وتشتيت شملهم، بالإجرام والانحراف والتخلي من القيم الفاضلة.مما يعني أن اعتبار الوحدة قيمة عليا ومقدسة، يعطيها حصانة تحافظ عليها من اعتداء المعتدين،وعبث العابثين، مما يجعلنا جميعا ندينه، وندين إجرامه،ونطالب بمعاقبته،بل وإنزال أشد العقوبة به.
من المهم جدا أن نعرف المعنى الحقيقي للوحدة التي نريدها،وندعو إلى تحقيقها،ليساعدنا ذلك على العمل من أجلها، ويسهل علينا تجاوز كل عقبة يمكن أن تعترض طريق تجسديها، لتصبح واقعا عمليا ملموسا ومشهودا ومعاشا لدى الجميع.
فإن كان المراد من الوحدة،هو اندكاك الكل في الكل،وانصهار الكل في الكل،وأن يتنازل أصحاب هذا المذهب أو ذاك،عن كل ما يدينون به على مستوى التشريع والاعتقاد،ويتبعون مذهبا بعينه،ليكونوا كلهم يتعبدون الله عز وجل وفق ذلك المذهب دون غيره فالبداهة العقلية تقضي باستحالة تحقق هذه الوحدة،لأن الاختلاف سنة إلهية بين العباد،ولا يمكن جمعهم على رأي واحد،في كل أمورهم الدينية والدنيوية على السواء.
ولو سلمنا جدلا،وفرضنا ـ وفرض المحال ليس محالا ـ إمكان تحقق هذا الانصهار ،والتلاقي الكامل بين المسلمين في كل شيء،فمن الذي يجب أن ينصهر في الآخر؟، ويتنازل عن كل عقائده وآرائه وأفكاره،كرمى لعيون الآخرين،وتحقيقا لهذه الوحدة،وبأي دليل يكون هو المطالب بذلك دون غيره؟!
إذن ليس المراد من الوحدة،ذوبان الجميع في الجميع،ولا انصهار الكل في الكل ،وإنما المراد الوحدة السياسية والاجتماعية وأمثالهما، واعتراف الكل بإسلام الكل، واحترام المذاهب لبعضها البعض، وعدم التطاول على المقدسات،والتأكيد على أن ما بين المسلمين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم،من اختلاف في الأصول والفروع لا يخرج أحدهم من دائرة الإسلام العظيم ،الذي يتحقق بالشهادتين، كما دلت على ذلك النصوص المتكاثرة، الواردة من طريق الفريقين.
ومع أن الوحدة بمعنى الانصهار الكامل مستحيلة التحقق،إلا أن هناك ــبكل أسف ــجماعة ينسبون أنفسهم إلى الدين، ويتكلمون باسمه،ي نطبق عليهم المثل السائر (لا يعجبهم العجب،ولا الصيام في رجب) فهم قوم يعانون من ضيق الأفق ،وضحالة التفكير،ويمارسون الإرهاب الفكري،ويصادرون آراء الآخرين،ولا يفهمون ثقافة الاختلاف،وإن فهموها لا يقبلون بها،ويريدون أن يخالفوا سنة الله في خلقه، ويطالبون الجميع بالتنازل عن كل آرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم، ويأخذون بما يؤمنون هم به فقط.
ولهذا تراهم يبحثون عن كل صادرة وواردة، وينبشون في الدفائن، ويبحثون عن كل نقطة خلافية ــ مهما كانت صغيرة ــ وينفخون فيها إلى حد أن يجعلونها أكبر وأضخم من جبل أحد، ويصنعون منها قضية أعظم وأعقد من قضية فلسطين، إلى أن يصل بهم الأمر إلى التكفير،وإخراج كل من لا يقول بقولهم، ويختلف معهم في أي قضية من الدين.
وللأسف انتشر هذا الداء العضال بين بعض المسلمين،إلى حد أن فتحت له القنوات الفضائية،وأصبح ديدنهم الخوض في القضايا الخلافية،وإثارة الفتن الطائفية،وإصدار الفتاوى التكفيرية…حتى فرقوا المسلمين،ومزقوا وحدتهم، وزرعوا الفتن بينهم،إلى حد أن قتل بعضهم بعضا، وكفر بعضهم بعضا، رغم أن ما يجمعهم، ولا أريد أن أقول أكثر مما يفرقهم، وإنما أقول أكثر مما هم يختلفون فيه، اختلافا علميا منشأه الاختلاف في ثبوت الدليل أو في فهمه.
وليس من حل لهذه المشكلة العويصة،إلا توضيح المفهوم الحقيقي للوحدة،ونشر ثقافة الاختلاف،والتشجيع على قبولها،كمظهر من المظاهر الحضارية،التي تثري الفكر الإنساني،وتطور المجتمع ،وترفع من مستواه العلمي،وتوسع آفاقه العقلية، وتساهم في نضوجه الفكري،وكذا التأكيد على استحالة أن يكون المسلمون جميعا على رأي واحد في كل القضايا،وذلك لاختلاف العقول،وتفاوت الوعي، وإمكان ثبوت شيء عند أناس وعدم ثبوته عند آخرين،مما يعني أن الاختلاف في المسائل الفقهية والعقائدية بين المسلمين،هو أمر طبيعي جدا،له عدة أسباب لعل من أبرزها وأهمها،الاختلاف في ثبوت الدليل الإسلامي ،أو في فهمه، فتكون النتيجة أن الكل يتعبد بما ثبت عنده من دليل،وحسب فهمه لذلك الدليل،وليس قصد أحد من المسلمين أن يعترض على الله في تشريعه،أو على رسوله في تبليغه.
وعليه فلا بد من القول بإسلام الجميع،وعدم إخراج أي طائفة من الدين لمجرد وجود بعض الاختلافات الفقهية أو العقائدية بينها وبين الطائفة الأخرى،ولا بد أن نفهم ونقوم بإفهام الآخرين بأننا لسنا أوصياء على الناس،لنجبرهم على سلك هذا المنهج أو ذاك،أو إتباع هذا المذهب أو ذاك، كما أن الله عز وجل لم يجعلنا موكلين على جنته وناره،لندخل من نشاء الجنة،ونرمي من نشاء في النار،فالله هو رب العباد ،وهو المتكفل بمحاسبتهم على أعمالهم،فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
ومع ضرورة نشر هذه الثقافة في الوسط الاجتماعي،لا بد من دعوة المتطرفين إلى الكف عن إثارة الفتن الطائفية، وإصدار الفتاوى التكفيرية، وإن لم يستجيبوا فليضرب أصحاب الشأن والقدرة عليهم بيد من حديد،وليعمل العلماء والمفكرون من سائر الفرق الإسلامية على تثقيف المجتمع،ورفع مستواه العلمي والفكري، والعمل على إيجاد الوعي الكامل لدى سائر الناس، لنحصنهم من الانزلاق في هذه المتاهات.
الكثير من العامة ليس لديهم أي علم بوجود الاختلاف في بعض المسائل الفقهية ،والقضايا العقائدية حتى في المذهب الواحد،فهم يتصورون أن أتباع هذا المذهب أو ذاك متفقون في كل شيء يتعلق بالدين،وهذا يساهم إلى حد كبير في خداعهم وتضليلهم من قبل المتطرفين التكفيريين، الذين يوهمونهم أنهم متفقون في كل شيء، وعلى الحق في كل شيء، وكل من خالفهم فهو على باطل،وفي ضلال، ومصيره إلى النار، وبئس القرار، مما يجعلهم ينخدعون بهذا الطرح المموه والتضليلي ،ويتأثرون به،إلى حد أن يعتقدوا أنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة، وأن الآخرين ليس لهم من تلك الحقيقة أي نصيب.
ولكن لو وضح لهم أنه حتى في المذهب الواحد، الذي ينتمون إليه،يوجد اختلاف بين العلماء في الكثير من قضايا الاعتقاد، ومسائل التشريع،وأن لهذا الاختلاف أسبابه الواقعية، مما يجعله أمرا طبيعيا ومعقولا،ويجب تقبله على كل حال، لساعدهم ذلك كثيرا على تقبل ثقافة الاختلاف، وتجسيدها في واقعهم العملي،بقبولهم للآخر كما هو.
من هنا أصبح من المهم جد أن يقوم العلماء والمفكرون من جميع الطوائف،ببيان أن الاختلاف ليس فقط بين المذاهب،كما هو الحال في بعض الاختلاف بين السنة والشيعة مثلا،بل الاختلاف موجود حتى بين أتباع المذاهب الشيعية ذاتها،كما هو موجود بين المذاهب السنية ذاتها،فليس كل الشيعة على رأي واحد،كما أنه ليس كل السنة على رأي واحد،بل ربما الاختلاف بين المذاهب السنية ذاتها،أكبر من الاختلاف بين السنة والشيعة
وكما أن الاختلاف بين المذاهب السنية لا يخرج أحدها عن دائرة الإسلام،كذلك الاختلاف بين السنة والشيعة لا يخرج أحدهم عن دائرة الإسلام ،وكما تقبلنا الاختلاف بين المذاهب السنية أو الشيعية كذلك يجب أن نتقبله بين السنة والشيعة ،بل الاختلاف موجود حتى في المذهب الواحد،فليس كل أتباع المذهب الحنفي على رأي واحد في كل المسائل الفقهية والعقائدية،وكذلك الحال لدى الشيعة الإمامية ،كما هو الحال في سائر المذاهب الإسلامية الأخرى ،فلماذا نتقبل الاختلاف في المذهب الواحد،ولا نتقبله إذا كان بين المذاهب؟!
ونحن إذ نوضح هذه الحقيقة لنساهم في رفع الاحتقان الطائفي بين المسلمين،أيضا نود أن نسأل التكفيريين عن سر عدم تكفيرهم لمن يختلف معهم ممن هم من أتباع مذهبهم،ولماذا انحصر تكفيرهم فقط لأتباع المذاهب الأخرى؟!
لا يشك مطلع منصف أن من أهم معوقات الوحدة بين المسلمين،هو ذلك الطرح الطائفي،الذي ينبش في الدفائين،ويثير الحفائظ ،ويؤسس للكراهية، ويوقد نار الفتنة بين المسلمين.
وكما أشرنا قبل قليل، فإنه من المؤسف أنه تم إنشاء قنوات فضائية لذلك،وقد أصبح شغلها الشاغل فقط الضرب على وتر الطائفية،وتحريك مشاعر الكراهية والبغضاء بين الأمة الإسلامية،كما تحولت بعض المنابر في المساجد إلى منابر لمز وهمز وتكفير وتفسيق وسب وشتم،وكأننا نحاول أن نعيد السنة الأموية في شتمها للعترة العلوية!،ولا يختلف الحال عن هذا في مناهجنا الدراسية،بما تحويه من تكفير لبعض المذاهب الإسلامية،بحجة ممارستها لبعض الطقوس الشركية،مما يعنني أننا لسنا فقط لا نحارب الطائفية،بل نعمل على ترسيخها وتنشئة الأجيال القادمة من أبنائنا وبناتنا عليها.وبما أنه لا ينتشر الحق إلا من حيث انتشر الضلال ،فيجب أن تكون هناك محاربة جادة وعملية للطرح الطائفي التحريضي بكل أشكاله وألوانه،ومن مختلف قنواته ومصادره، ونستبدل ذلك بطرح ثقافة التسامح والتعايش والمحبة بين المسلمين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم.
فمناهجنا الدراسية، وقنواتنا الإعلامية،ومنابرنا الإسلامية،لها أعظم الأثر في بناء الأجيال،متى أحسنا استغلالها وعرفنا كيف نتعامل معها بوعي ومسؤولية،وإلا ستكون معاول هدم،وبراكين متفجرة،ويؤرة فساد،مفرخة للإرهاب، ومنتجة للقتلة والانتحاريين ،الذين يهددون الأمن، ويعيثون في الأرض فسادا،ويهلكون الحرث والنسل،فيقتلون على الظنة،ويأخذون على التهمة،ولا يرعون في مؤمن إلا ولا ذمة، إن استمرت هذه المناهج والقنوات والمنابر على ما هي عليه الآن من الطرح التكفيري،والتحريض الطائفي.
وبما أنني بصدد الحديث عن الطرح الطائفي وآثاره السلبية،ونتائجه الوخيمة، وعواقبه الكبيرة،قلا بد لي أن أشير إلى أنني لا أعني بالطرح الطائفي هنا،أن لا يتحدث أتباع كل مذهب عن مذهبهم،ولا يبنوا عقائدهم،ولا يحاولون الاستدلال عليها ،بأسلوب علمي وحضاري،فكل هذا ليس من الطرح الطائفي في شيء،وإنما ما أعنيه هو أن لا يتجاوز الطرح حدود اللياقة والأدب،ولا يصل إلى التطاول على المذاهب الأخرى،ولا محاولة انتقاصها،ولا إلصاق كل تهمة باطلة بها…فالكل يستطيع أن يبين عقائده ويشرحها ويستدل عليها، دون أن يضطره ذلك إلى الطعن في المذاهب الأخرى،والنيل من عقائدها،بما يحط من قدرها،أو يؤدي إلى تكفير أتباعها.
لعلنا بحاجة ــ ونحن ندعو إلى الوحدة الإسلامية ،وتعزيز السلم الأهلي ــ أن نعتمد في ذلك على التفكير التوافقي ،الذي ينطلق من الإيجابيات ،ويركز على نقاط الالتقاء بين المختلفين، ويحاول أن يوفق بينهم قدر المستطاع،مما يساهم في تقريب وجهات النظر، وتخفيف ما في النفوس من نفور،أو شحناء وبغضاء،ويقنع الطرفين أن لديهما الكثير من الأمور المشتركة،وتجمعهما نقاط التقاء كثيرة،يمكنهم أن ينطلقوا منها في توحيد كلمتهم،وتنقية قلوبهم، وتصفية نفوسهم، ليعيشوا جميعهم في محبة وأخوة رغم ما هو موجود بينهم من اختلاف في بعض الأمور.
من هنا يجب أن ينطلق المصلحون والمهتمون بالوحدة الإسلامية، الحريصون على الأمة الإسلامية،وسلامتها من التشتت والتفرق والتمزق والضياع،من التأكيد على أن ما يجمع المسلمين ويوحدهم، هو أكثر بكثير مما يختلفون فيه،وعليهم أن ينطلقوا من نقاط الالتقاء،وليس من نقاط الاختلاف،خصوصا وأن ذلك الاختلاف ــ كما قلنا ــ لا يخرج أحدهم من الدين،ولا يقدح في إسلامه بأي شكل من الأشكال.
كما يمكنهم أن يتناقشوا في مسائلهم الخلافية بعقلانية ومحبة،ووفق منهج علمي رصين،فهذا يتيح لهم أن يسمعوا بعضهم،ويتعرف كل أتباع مذهب على ما عند المذهب الآخر،مما يساعد إلى حد كبير على فهم بعضهم،وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة،التي يأخذها كل طرف عن الطرف الآخر،فربما فهم هذا،وربما اقتنع ذاك،وإن لم يتمكن أحدهما من إقناع الآخر،فيظل اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، خصوصا وأنه في الاقتناع أو عدمه،الكل له حجته ودليله،ولم ينطلق من العصبية والهوى.
مما يساهم في القضاء على الفرقة والاختلاف،ويجمع كلمة المسلمين ويوحدهم، العمل على إنشاء مؤسسات تقريبية بين المسلمين،يشارك فيها العلماء والمفكرون الواعون من جميع المذاهب الإسلامية،يكون دورها العمل على نبذ الطائفية، وتعزيز الوحدة الإسلامية، ونشر الوعي بين العامة من أتباع جميع المذاهب، وحثهم على التآخي والتلاحم والوحدة، مؤكدين لهم أننا كما تمكنا أن نتعايش مع أصحاب الديانات والملل التي لا تدين بالإسلام ولا تؤمن به،كذلك يمكننا كمسلمين ــ مهما تباينت بيننا الآراء والأفكار، والاختلاف في بعض القضايا ــ ليس فقط أن نتعايش،بل أن نعيش في حب ومودة وإخاء وتعاون على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان.
أعتقد أن كل إنسان يشخص ما يوجد بين المسلمين من خلاف،بأنه خلاف مصطنع ،وللسياسة الاستعمارية والعدو الخارجي فيه الدور الأكبر،ثم يقترح في علاجه ما ذكرناه من نقاط،ويضيف إليها ما هو على شاكلتها،لا شك ـ عندي ـ أنه إنسان حقيقي ،يحمل قلبا نقيا،يفيض بالحب الصادق،والإخلاص الكامل لهذا الدين العظيم وأتباعه الشرفاء،ولديه غيرة حقيقية على دينه وأمته باختلاف مذاهبها،وتعدد طوائفها،وهو جدير بالتقدير والاحترام،ويجب أن ننحني له جميعا إجلالا وإكبارا،ونقدر له هذا الوعي وهذا الاهتمام والحرص على الإسلام وأهله.
ولا أشك أن في أمتنا الإسلامية العظيمة،الكثيرين ممن هم متصفون بهذه الصفات الطيبة،وأنهم يحملون همّ الأمة ووحدتها،ويحرصون على لم شملها،وجمع كلمتها، والعمل على كل ما من شأنه أن يحقق سعادتها وأمنها واستقرارها،وأن أنفسهم تكاد تذهب حسرات لما حلّ بالأمة من فرقة وتشرذم واختلاف،حتى دب فيها الضعف،وأصابها الوهن،بسبب تفرقها عن حقها،والتفاف الآخرين حول باطلهم.
وعلى هؤلاء الشرفاء النبلاء نعلق الآمال في العمل على إصلاح ما فسد،وبناء ما هدم،وترميم ما خرب،وننتظر منهم الحركة الجادة،والعمل الدءوب في إنشاء مشاريع إصلاحية ضخمة وجبارة،من أجل لم شمل المسلمين، وجمع شتاتهم،توحيد كلمتهم، ليكونوا يدا واحدة، وقلبا واحدا،يجمعهم الدين والحب والإخاء،إلى أن يصبحوا كالجسد الواحد،ا لذي إذا اشتكى منه عضو ،تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وصحيح إنه عمل شاق وعسير،ويحتاج إلى جهود جبارة،لكنه قدر المخلصين من هذه الأمة،ولا مفر لهم منه على كل حال.
نسأل من الله أن يحفظ الإسلام وأهله،ويجعل كلمته هي العليا،إنه سميع مجيب،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد،وآله الطيبين الطاهرين.
[/JUSTIFY]
بقلم الشيخ / علي محمد عساكر