[JUSTIFY]ولد العم جعفر حسين محمد الشيخ علي الرمضان سنة 1347 هجرية في الأحساء في يوم وفاة الإمام جعفر الصادق عليه السلام فسماه جده جعفر تيمنا باسم الإمام العظيم ولم يرى جده الحاج محمد من أحفاده إلا جعفر أبا عبد الرؤوف تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته.
كان العم جعفر رجلا عظيماً بأخلاقه وحبه للجميع وتواضعه وطيبة قلبه. كان العم كريم النفس واصلاً للرحم طيب المعشر محمود السريرة وحليما لأبعد الحدود حتى إذا كان غير راضي من أحد فهو يكلمه بلطف وبابتسامة تأسرك وتجعلك تتقبل الانتقاد بروح طيبة وكان دائما يحاول أن يكسب قلوب الجميع بحبه واهتمامه بالصغير والكبير وبكلامه الطيب ومدحه للجميع ونصائحه الحكيمة.
كان العم جعفر يتميز بقوة الإيمان والتقوى فهو متمسكاً بالقيم والفضائل لأبعد الحدود بدون اهتمام بالقشور والمظاهر والطقوس البالية فجمع بين الأصالة في الفكر والمبدأ وبين الحداثة في كل ما يتفق مع الفكر السليم المعاصر. إذا تكلمت معه لا تمل من حديثه فتجده مثقفاً من الدرجة الأولى في أمور الدين والحياة والصحة. وكان رحمه الله كريما مضيافاً فتح بيته وقلبه للجميع وكان بيته عندما كان في سوريا مفتوحاً للزائرين من السعودية والخليج يفدون اليه في جميع الأوقات ويقوم بخدمتهم من حيث الطعام والإرشاد في بلاد الغربة.. كان العم جعفر وهو في أشد حالات المرض والتعب يجامل ويتحدث ويهتم بإكرام الضيف ويروي القصص عن حياة الأجداد والجدات والأقارب في الإحساء وسفرهم وتنقلهم إلى البحرين والعراق وسوريا.
توفي والد العم جعفر عندما كان شاباً صغيراً في حدود السادسة عشر وكان هو الأكبر بين أشقائه الصغار وكانت له أخت واحده اسمها فاطمة (أم حمد) – تغمدها الله بواسع رحمته واسكنها فسيح جناته – توفيت بعد وفاة الجد بفترة قصيرة جداً هي وابنتها الصغيرة عندما انتشر مرض التيفوئيد في الأحساء في الأربعينيات من القرن العشرين فكانت فاجعة مؤلمة ثلاثة من أفراد عائلته يتوفون في وقت واحد تقريباً. كان العم جعفر يحب ويقدر والده وأخته كثيراً لذلك تأثر كثيراً لوفاتهما وكان هذا الوقت من أصعب الأوقات التي مرت عليه في حياته وأحزنها وأشدها ألماً. لكن قوة إيمانه وصبره جعلته يواجه الحياة بعزيمة وقوه وثبات فوالدته وأخوته الصغار محتاجين لشخص قوي يقوم برعايتهم والاهتمام بهم.
أصبح العم جعفر المسؤول عن العائلة وهو لا يزال شاب صغير في مقتبل العمر مع أخيه العم محمد (أبو سمير) الذي يصغره بعدة سنوات. كانت والدتهم أم جعفر تعتمد عليهما في رعايتها ورعاية إخوتهم اليتامى الأربعة الصغار وهم العم موسى والوالد جواد والعم أحمد والعم علي.وكان العم بمثابة الأب للجميع بحنانه واهتمامه ورعايته لإخوته , وكان العم يعمل في خياطة المشالح فأبدع فيها حيث كانت خياطته درجة أولى وكان مخلصاً ومجتهداً في عمله كثيراً. وعندما تزوج هو والعم محمد (أبو سمير) في ليلة واحدة اضطرا أن يأخذا قرض ليتمكنا من دفع تكاليف الزواج وبعدها بفترة قصيرة ذهب للعمل لوحده في دبي وبقي العم أبو سمير يدير أمور العائلة مع أنه كان عريس جديد لكن هم الديون كان أكثر مما يتحمله ففضل السفر والوحدة والغربة على البقاء مع عائلته وأهله ولم يرجع إلا عندما سدد الدين كله.
بعد ذلك انتقل العم إلى البحرين في بداية الخمسينات من القرن الماضي حيث كانت المدنية والتطور قد وصلت لها من ماء وكهرباء فاستقروا هناك وولد له أبنائه عبد الرؤوف وعبد الجليل وابنته شفيقة (أم فاضل) ومن ثم ذهبوا للزيارة في العراق لفترة قصيرة حيث اجتمعت الكثير من أسر الرمضان هناك , ومن بعد ذلك انتقلت عائلة العم إلى سوريا عام 1957 ميلادي ومكثوا فيها ست عشرة سنة ورزق هناك بأولاده عبد العزيز ومحمد وعدنان وعبد المنعم .
كانت حياة عائلة العم جعفر في سوريا مريحة حيث أُعجب العم بالمدنية والتطور في سوريا, حيث البيوت الجميلة والشوارع الواسعة والمحلات التجارية والخضراوات والفواكه المتنوعة والرخيصة والمدارس العريقة والمستشفيات الراقية. لقد كانت سوريا في أوج تألقها وازدهارها في ذلك الوقت. كان العم يحب عمله كثيراً و لا يضيع أي وقت
حيث كان من أفضل خائطي المشالح في سوريا وفي الأحساء وكان محترماً ومحبوباً ومقدراً من قبل أعرق متعهدي المشالح مثل الحاج نبيه حمد الله في سوريا والحاج علي الخرس والمرحوم عمار العمار والحاج المرحوم حسن المهدي في الأحساء حتى انه بعض الطلبات من الأمراء ترد خصيصاً وتحديداً للعم جعفر وذلك لجودة العمل والإتقان الذي يعرفه كل متأنق ومتذوق للمشالح وكان الجميع يحبذ ويتنافس للعمل معه للصدق والأمانة والإخلاص المعروف به. كان العم إذا ذهبت العائلة في رحلة يأخذ البشت والإبرة والزري ( الخيوط الذهبية ) معه أينما ذهب فهو لديه قناعة بأن العمل بجد هو الوسيلة الوحيدة لحياة كريمة ودائما يقول يجب ان يوفر الإنسان ما يكفيه للظروف الطارئة حتى لا يحتاج لأحد.
كان العم يهتم بالعلم والثقافة فسجل أبناءه في مدارس خاصة في سوريا مع أنه خياط ولا يملك الكثير من الأموال ولكن كان يريد أفضل أنواع التعليم لأبنائه. الحمد لله تحقق حلم العم وتمكن أبنائه من التفوق في دراستهم واستطاع جميع أولاده أن يكملوا دراستهم الجامعية وأصبحوا من أفضل المهندسين والمدرسين في الإحساء بفضل الله ثم تربيته الفاضلة لهم.
بعد أن تخرج أولاده عبد الرؤوف وعبد الجليل من الثانوية في سوريا سجلوا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية للدراسة الجامعية وإكمال تعليمهم العالي. فبعد سنتين من رجوع ابنهم عبد الجليل من سوريا قرر ترك الجامعة والانضمام إلى ارامكو ليتمكن من دعم أهله والرجوع إلى الوطن.
وبعد أن رجعت العائلة إلى موطنها الأحساء عام 1973 ميلادي واستأجر العم بيت عربي مطور وواسع من عائلة السبتي في سكة الحويش بالفوارس وعاشوا فيها إلى أن جاء القص لسكة الحويش وازالت البلدية جميع البيوت القديمة لتطوير المنطقة. الحمد لله عوضت البلدية العائلات بمبلغ محترم عن إزالة بيوتهم القديمة فاشترى العم بنصيبه من أرث أبيه أرض في حي الفيصلية وأخذ قرض من الحكومة وبمساعدة أبنائه بنى فيلا من ثلاثة أدوار, بيتاً كاملاً في الأسفل للعائلة وثلاث شقق لأولاده في الأعلى. عاش العم وعائلته في هذا البيت إلى أن توفي في 10 محرم 1432 من الهجرة – رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
لقد كانت حياة العم جعفر حافلة بالعطاء والمحبة والخير والبركة , فجميع من عاش معه وعرفه يثنون على أخلاقه وقوة إيمانه وتقواه وروحه المرحة والمتفائلة. الله سبحانه وتعالى وهب العم شخصية متميزة أدخلت البهجة والفرحة على قلوب الجميع رغم الآلام والأوجاع التي كان يعاني منها في أخر حياته. حزن على وفاته القريب والبعيد لأنه رحل وترك فراغاً كبيراً في قلوب جميع الأهل والأقارب والأصدقاء. في الحقيقة لقد ترك العم جعفر بصمة جميلة في قلوب الجميع لن يستطيع الفراق ولا الزمن مسحها. تغمدك الله يا عمي الحبيب ووالد زوجي العزيز وجد أبنائي الغالي بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته وجمعنا معك في الفردوس الأعلى من الجنة. هكذا هم أهل الأحساء أهل الإيمان والتقوى والحب والتسامح والتواضع والعطاء والإيثار والتضحية والكرم فبارك الله فيهم جميعاً وكثر الله من أمثالهم
[/JUSTIFY]
إعداد الأستاذة / وفاء جواد الرمضان
المصدر : كتاب إضاءات 4