[JUSTIFY]الخيال البشري هو واحد من تلك الظواهر العصبية المجردة التي حيرت العلماء. وتمتاز عملية التخيل بأنها سلسلة وسهلة وتحدث بتلقائية ويتلاشى الوعي بالزمان والمكان ليحل محلهما زمان ومكان لا وجود لهما إلا بداخل الصندوق المغلق الغامض في الإنسان ، وتشير الإحصائيات العلمية ان الخيال المتمثل بهيئة أفكار وخواطر قد تراود الانسان العادي بمعدل يصل الى 70000 فكرة وخاطرة يوميا وهي حقيقة مذهلة تجعلنا متأكدين أن البساطة والكفاءة تخفي وراءها تنظيما شديد التعقيد والتركيب .
فلماذا خلقت فينا هذه القدرة ؟
لم تكن هذه الميزة موجودة منذ وجد الإنسان 1.فكما يعتقد عالم الأنثربيلوجيا 2 موريس بلوخ Maurice Bloch أن الخيال ظهر لدى الإنسان منذ حوالي 50,000 سنة عند اكتمال بنيته الدماغية3 وصار بشراً سويا، وعندها استطاع الإنسان تخيل الأشياء والكائنات غير الموجودة وغير المرئية وساعده ذلك على تحديد مفهوم الإله وبداية تشكيل الدين وتخيل عوالم ما بعد الموت .
الفائدة الأخرى كما يذكرها بروفسور إكسفور وزميل الأكاديمية البريطانية ثيموسي ويليامسون thy WilliamsonTimo هي القدرة على تخيل كل أنواع السيناريوهات ، فهو ينبهك إلى احتمالية المخاطر والفرص وبالتالي البقاء على قيد الحياة .
ويشترط في الخيال أن يكون ( واقعي – موجه ) بمعنى أنه هذا الخيال يجب أن يكون في اتجاه واقعي ويضرب ويليامسون مثلاً لذلك على الإنسان القديم فيقول : تخيل لو استيقظت وبداخل كهفك دب ماذا ستفعل ؟.الإجابة على هذا السؤال التخيلي تنطوي على المزيد من التخيل ، فيمكن أن تتخيل تقبيل الدب الغاضب وهو يخرج من الكهف بحيث يصبح صديقاً مدى الحياة ويجلب لك الكل الطعام والشراب التي تحتاج إليهما4 .طبعاً هذه أوهام وتوجب على الإنسان القديم أن يوجه خياله إلى الواقع بدقة أكثر وإلا دفع حياته ثمناً لخياله .
الخيال لا يساعد الإنسان على تصور الفرص بل يعتقد ويليامسون أن الخيال غير المتطور لدى الإنسان القديم في بدايات ظهوره قد ساهم في تضليل بعض أفراده وربما أدى ذلك إلى التهلكة بسبب عدم واقعيته ، وبقي على قيد الحياة من كانت له قدرة تخيلية واقعية لينقلها عبر الأجيال إلينا.أما الخيال لدى إنسان اليوم فيشكل أهمية كبرى في نموه ونضجه العقلي والنفسي وفي تحضر المجتمعات وتطورها القني والمادي.
يمر الخيال بمراحل تطورية مع نمو دماغ الإنسان من مرحلة الطفولة وحتى الرشد وتكون ذروته عند الأطفال ويساعدهم ذلك في تخيل سيناريوهات متعددة غالبيتها غير واقعية لكنها تتشكل مع مرور الوقت بما يتناسب ومفاهيم الواقع والحياة من حولهم وهو وسيلة سريعة للتعلم والاندماج في محيطهم ، والبيئة التي تشجع الأطفال على الخيال تجعلهم قادرين في المستقبل ليصبحوا من ذوي التفكير الابتكاري وأصحاب الاختراعات والاكتشافات وقصص العلوم مليئة بحكايات عن مكتشفين ومخترعين كانت شرارة أعمالهم قد انطلقت بفكرة خيالية وربما قصة قرأها لمؤلف رواية خيال علمي لتتحول إلى حقيقة ماثلة أمامنا بسحرها وروعتها .
ويصنف الخيال إلى عدة أنواع هي :
الخيال التطبيقي أو الابتكاري والخيال الاستدلالي التأملي والخيال التصوري
خيال التقمص العاطفي والخيال الاستراتيجي والخيال العاطفي والأحلام واسترجاع الذاكريات والتصور الابداعي.
تفصيل هذه الأنواع يحتاج عدة مقالات ، وسأكتفي هنا بالنوع الأخير للخيال ( التصور الابداعي ) المكتشف حديثاً فما هو ؟
التصور الإبداعي
تقنية عقلية تستخدم القوة العقلية والتخيل لإنشاء فكرة أو صورة ذهنية أو الإحساس الشعوري بشيء ما تتمنى أن توجده ثم تستمر بالتركيز على الفكرة أو الشعور أو الصورة بشكل متكرر وتشحنها بطاقة إيجابية حتى تصبح حقيقة ملموسة .
ليس هناك ما هو جديد أو غريب أو غير عادي في التصور الابداعي فأنت تستخدمه بشكل يومي . لكن نسبيا قد نستخدمه بطريقة لا واعية أكثر من الاستخدام الواعي والقصدي له .
التفكير والتخيل هو شكل متحرك وسريع من الطاقة ، تنشأ في الخلايا العصبية بالدماغ من الميتوكندريا التي هي مصنع الطاقة الخلوي وتتحول إلى عبر مراحل إلى طاقة كهربائية ثم كيميائية بالتناوب وتتدفق لتكون صورة تخيلية لشيء ما ( منزل مثلاً ) ثم جذب وتسخير المواد الطبيعية لإيجاده في شكله المادي .
يبقى المبدأ نفسه صحيحاً حتى لو لم نقم بعمل مادي لإظهار أفكارنا فامتلاك فكرة أو نية والاحتفاظ بها في الذهن هو طاقة تميل لجذب وإيجاد ذلك الشكل على المستوى المادي أحيانا بشكل غير واعي فإن فكرت في المرض بشكل مستمر فقد تصبح مريضاً في النهاية ( لا تمارضوا فتمرضوا ) . وهناك كتاب رائع جداً من تأليف شاكتي جاوين Shakti Gawainباسم ( التصور الإبداعي ) Creative Visualiztion أنصحكم بقراءته .
(التصديق بفكرة ايجابية متفائلة حتى لو كانت خيالية ينعكس أحياناً في فسيولوجيا الجسم مباشرة كما تقول بعض الأبحاث التي تبحث عن فعالية العلاجات المختلفة. إيمان المريض بالعلاج أهم بكثير من العلاج نفسه. وهذا يمتد حتى لأثر ودور الخيال في تهيئتنا وتغيير سلوكياتنا وردود أفعالنا. وكذا ينطبق الأمر علينا جميعا، إيماننا -أياً كان المحتوى- أهم من المحتوى ذاته).5
ومن التأثير الإيحائي الإيجابي للتصور الإبداعي ما يروى عن زعيم الهند الشهير المهاتما غاندي فقد كان في بداية شبابه يعاني من الخوف و الخجل الى حد كبير .. وكان عمله كمحام يتطلب منه أن يتحدى ذلك ليستطيع الدفاع عن موكليه في المحاكم.. غير أنه – و في أول مرافعة تبناها في جنوب افريقيا- اصيب بانهيار عصبي , وأغمي عليه في المحكمة, و فشلت القضية بسبب خجله الشديد..
الحل كان بسيطاً وفعالاً : راح كل صباح يردد مع نفسه ويتصور نفسه : ( أنا رجل شجاع )
[/JUSTIFY]مدرب تنمية بشرية.
زاوية : ملتقى جواثا الثقافي
بإشراف : عبدالحميد الرضا