مع كتاب مرآة المذيع، للمؤلف سليمان بن محمد العيدي، الطبعة 1420هــ.
جزء من المقدمة:
ولما كان المذيع ترساً مهماً في آلة الإعلام، بوصفه مصب كل الجهود المبذولة على مستويات الإعداد والجوانب الفنية، والواجهة التي تتشكل فيها هذه الجهود لتخرج إلى جمهور المستمعين أو المشاهدين في شكلها النهائي، فإن ذلك يستدعي أن نعرف المقومات الذاتية لهذا المذيع ومسؤولياته ومهامه، والقدرات التي ينبغي أن تتوافر له لكي يؤدي عمله على أكمل وجه ممكن.
المادة المكتوبة للإذاعة والتلفاز:
هي الرسالة الإعلامية المسموعة والمرئية على الورق، فهي بذلك الأساس، وهذه الرسالة شأنها شأن كل رسالة لوسائل الإعلام الأخرى غايتها التأثير في المستمع أو المشاهد والكاتب للإذاعة أو التلفاز، عندما يبدأ بالتخطيط للكتابة لأي من هاتين الوسيلتين، فإنه يتوقع العائد من عملية الكتابة في شكل رد فعل الجمهور المستهدف بكتاباته.
وقد يكون رد الفعل من الجمهور إيجابيا، وهذا يعني تحقيق التأثير المطلوب من الكتابة بتكامل عملية الاتصال، وقد يكون رد فعل الجمهور سلبيا، أي إن التأثير المطلوب من الكتابة لم يتحقق بسبب وجود قصور ما في عملية الاتصال.
ولما كان الكاتب الإذاعي أو الكاتب التلفازي الأساس لبدء عملية الاتصال، لأن كل منهما مسؤول عن صياغة الرسالة الإذاعية أو التلفازية وإعدادها فإنه يصبح من الضروري لكل منهما أن يتفهم العوامل والمتغيرات التي تحيط بعملية التأثير، سواء كانت هذه العوامل نفسية أو اجتماعية، لأن هذا الفهم مكمل للاعتبارات التي تحيط بعملية الكتابة. والكاتب عندما يكتب فإنه يحاول أن ينقل إلى من يكتب له أفكاراً ومعلومات ومشاعر والمتلقي عندما تصل إليه أفكار الكاتب ومعلوماته ومشاعره.
فإن يتلقاها بالطريقة التالية:
1- رؤيته إليها تتم من خلال ما نشأ عليه من عادات وتقاليد.
2- يقومها من وجهة نظر دينية أي من خلال معتقداته الخاصة.
3- يوائمها مع نوع الحياة التي يحياها والثقافة التي يسلكها.
4- يزنها من ناحية التطلعات التي يسعى إلى تحقيقها.
5- يربطها بالنواحي الإنسانية التي يتوخاها في سلوكه الخاص.
وعلى هذا فإن الكاتب الإذاعي أو التلفازي عندما يشرع أي منهما في عملية الكتابة وصياغة الرسالة، عليه أن يوازن أفكاره التي يعبر عنها بالكتابة بالأفكار التي يعتنقها الجمهور، كما يعمد إلى المقارنة بين النتائج المترتبة على قبول فكرته، بحيث لا تتعارض مع النتائج التي يتطلع إليها الجمهور. فالمتلقي عندما يتلقى الفكرة من الكاتب يدور صراع في داخله بين ما يعتقده، وما تحتويه الفكرة، وسواء رفض الفكرة أو قبلها فإن هنالك عملية أخرى هي الاستجابة، سلبًا أو إيجاباً لكل الدلالات الحسية والعقلية والنفسية التي اعتمد عليها الكاتب في صياغة فكرته. ومعنى حدوث الاستجابة سلبًا أو إيجاباً، أن هناك تأثيرا سلبيا أو إيجابيا نتجت منه الكتابة.
وقد اهتم علماء النفس، بأسس التأثير الوسائل الإعلام وحاولوا دراسة أسباب انجذاب الناس إلى هذه الوسائل واختيارهم للتعرض لها وارتباطهم بها، وتكشف لهؤلاء العلماء أن هذه الأسباب كامنة فى طبيعة الإنسان الذي يرغب دائماً في العثور على ما يؤيد أفكاره ويدعمها، ويحاول أن يتجنب ما يؤثر فى أفكاره واتجاهاته سلبا، لذلك، يقال إن وسائل الاتصال تحقق نجاحا كبيرا في دعم اتجاهات الجمهور الموجودة أساسا، بينما يصعب عليها تعديل أو تغيير تلك الاتجاهات.
وأقصى درجات نجاح الرسالة الإعلامية تتمثل في وصول المستقبل إلى مرحلة التقمص الوجداني، حيث يتصور نفسه في موضع البطل، وينطلق بعيدا بخياله وأكثر ما يجعل للرسالة الإعلامية تأثيرها القوي والبعد عن التكلف والسطحية واحترام عقلية المستمع أو المشاهد في كل ما يقدم.
والكاتب الإذاعي أو التلفازي حين يلتقط فكرة لها مضمونها العميقة، فإنه يتطلب عليه أن يفكر في وضعها في شكل جذاب مؤثر يسترعي انتباه المستعمين أو المشاهدين، ولا يتوافر ذلك، مالم يستحضر في ذهنه العناصر المحققة لهذا الشكل، والمتمثل في التقديم والإخراج، والتصوير والتسجيل، والتقطيع والتنسيق والإنتاج والديكور والملابس والتشغيل الهندسي، ومختلف العناصر الفنية المكونة لشكل العمل الإذاعي والتلفازي. والكاتب الإذاعي والتلفازي يختلف بذلك عن الكاتب الصحفي أو الروائي أو القاص، لأن هؤلاء حين يصيغون أعمالهم، فإنهم يتحكمون في المضمون والشكل معا، وهما يصاغان من تخيل الكتاب، تاركين الحكم للقارئ، أما الكاتب الإذاعي أو التلفازي، فإنه حين يكتب يفكر في أسلوب تنفيذ عمله حتى يصبح واقعاً، فهو لا يكتب متحرراً من القيود، وإنما يضع نصب عينيه الإمكانات المتوافرة للعمل، سواء كان برنامجاً أو عملاً درامياً أو حتى تعليقا إخباريًا، كما إنه لا بد أن يتخير الألفاظ الجزلة التي لا غرابة فيها، كما يحاول قدر الإمكان نقل لغة الواقع على الشاشة أو الميكروفون من غير إسفاف أو ابتذال، لأنه يدرك تماما أن عمله يقتحم البيوت، على عكس الكلمة المكتوبة التي لا تكون إلا في متناول من يسعى إليها .
الكاتب الإذاعي والتلفازي حين يشرع في كتابة عمل للإذاعة أو للتلفاز فإنه يضع في حسبانه الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها هاتان الوسيلتان، ومن أهمها الإعلام والتفسير والشرح والتسويق والإقناع والتسلية والتنشئة الاجتماعية والتربية والتثقيف والارتقاء بالوعي الاجتماعي وغيرها من أهداف ومسائل الاتصال الجماهيري.
وحيث إن تحقيق هذه الأهداف جميعها في عمل واحد أمر صعب المنال، فإن الكاتب يحدد أهم أهداف عمله، ثم يبدأ في صياغته في إطارها، مركزا على الجانب الفني.
ومن أهم القواعد التي يضعها الكاتب نصب عينيه:
1- التعمق في فهم الموضوع الذي يطرحه حتى يأتي طرحه له عميقا وشاملاً جوانبه كافة، وفي الوقت نفسه يكون تفكيره في أفضل الأشكال التي يمكن وضعه فيها.
2- الإلمام بخصائص الجمهور المستهدف ومجالات اهتمامه، حتى يكون اختيار الموضوع الذي يثيره الكاتب نابعا من البيئة الاجتماعية للجمهور حتى يمكنه التفاعل معه، وذلك في حالة النجاح في معرفة خصائصه النفسية ومن ثم التأثير في عاطفته ووجدانه وأن يكون الكاتب على علم بأن الجمهور يبحث دائما عن المتعة، وتستميله البساطة والوضوح والتلقائية ويكره المبالغة والفوقية في الخطاب.
3- يتوقف اختيار الموضوع على زمن البث ومكانه، إذ تتغير الحالة المزاجية للجمهور وفقا لزمن المشاهدة سواء صباحا أوظهراً أو ليلاً، كما تختلف وفقا للمكان، فالمادة التي تتوجه إلى سكان مدينة ما قد لا تناسب سكان مدينة أخرى، كما أن جمهور المدينة يختلف عن جمهور الريف، وإذا كان الموضوع عاما، فإن ما يتوجه إلى سكان بلد ما يختلف عما يقبل عليه سكان بلد آخر، ولكن لابد من الأخذ في الحسبان أن الناس في ظل المد الإعلامي زادت مساحة الخبرة المشتركة بينهم، وقد تشابهت قضاياهم إلى حد كبير.
4- على الكاتب أن يعرف المدة الزمنية المحددة لعمله، حتى يضعه في القالب المناسب لهذه المدة، وحتى يستطيع توظيف الإمكانات الفنية في حدود هذه المدة.
5- أن يبتعد الكاتب عن الإطالة والحشو الزائد، وأن يحاول التركيز قدر المستطاع لتأتي لغته راقية من غير ترهل، وأن يثق في عقلية الجمهور وقدرته على الفهم فلا يحاول تبسيط الأفكار إلى حد يفقده عمقه، وإنما لا بد أن يترك مساحة للجمهور ليفكر في مضمون الرسالة، ويحاول أن يملأ الفراغات بنفسه، مما يجعل تفاعله مع العمل إيجابيا.
ومن العناصر التي تزيد من عمق العمل الميل إلى ترتيب فقراته ترتيبا منطقيا، والتركيز على المضامين حسب أهميتها، وأن يحاول الكاتب توقع رد فعل الجمهور، وأن يعمل على تقويمه للاستفادة منه في الأعمال القادمة، مما يكسبه الخبرة ويزيد من عمق تجربته العملية.