تُعتبر الكتابةُ حول الوثائق التاريخية القديمة تحدياً كبيراً لدى الباحثين، في محاولة لسبْر أغوارها وتفكيك كلماتها التي قد تكون أحياناً كالرّموز، نتيجةً لاختلاف المصطلحات ومعانيها بين الفترات الزمنية المختلفة.
وربما تكونُ أكثر تعقيداً إذا تعلّقت هذه الوثائق بأسماء شخصيات أو أماكن مُمتدة جغرافياً، خصوصاً إذا تغيّرت هذه المسميات مع مرور الزمن، كأسماء الأحياء والمُدن والقُرى ناهيك عن مجاري الأنهار مثلاً أو القطع الزراعية التي كثيراً ما تتشابه أسماؤها في عدة أماكن مختلفة.
لذا لا يُمكن الإكْتفاء بالإطّلاع على الوثائق لكتابة البحوث حولها أو محاولة دراستها ووصفها واسْتخلاص بعض النتائج منها. بل يستلزم على الباحث أن يتعمق أكثر بالبحث حول هذه الوثائق وذلك بدراسة اللغة و الفترة الزمنية التي كتبت فيها الوثيقة، وزيارة المنطقة الجغرافية التي تحدثت عنها هذه الوثائق. والتّحقق من أهل هذه المنطقة والذين لاشك يتوفر لديهم موروث متناقل بإمكانهِ غالباً الإضاءة على جوانب قد تكون مُبهمة لدى الباحث، ولا يمكن له معرفتها وتحصيلها من خلال النظر فقط إلى نصوص الوثائق.
وهذا ما وقع فيه للأسف الأخ العزيز حسين الرمضان في مقالته (أسماء البساتين و النخيل ودلالاتها التاريخية) المنشور بموقع المطيرفي. وكذلك أيضاً ما وقع فيه المدون مصطفى الغزال في حساب (تراث الاحساء).
وكلاهما نقلا عن وثائق قديمة من إرشيف عائلة السادة الحاجي بالتويثير، الذي يعتبر كنز متوارث من الوثائق النفيسة القديمة ومخزون تراثي قيّم جداً. اذ يمتد لخمسة قرون حيث دوِّن أقدم هذه الوثائق في عام 967 هـ وفيها اشارة لوكالة كتبت عام 955 هـ.
واستناداً لبعض هذه الوثائق وقَع الرمضان في خطأٍ فادح حين ارتكز على اسم مزرعة (تويرث) واعتبره سبباً لتسمية بلدة التويثير بهذه الاسم. بينما من المسلمات الأكيدة أن اسم (تويثير) أُطلق على البلدة بعد نزول عائلة السيد أحمد المدني إليها في القرن التاسع الهجري. والتويثير تصغير لإسم تيثار -المنطقة او الحي الذي كانوا يقيمون فيه في المدينة المنورة- قبل نزولهم الأحساء.
وأيضا ًبطريقة معكوسة ذكر أن عائلة سادة البراقي اكتسبت اسمها من مزرعة بالتويثير تحمل هذا الاسم. بينما (البراقي) لقب أطلق -لفترة من الزمن- على عائلة السادة الحاجي تعبيراً عن قوة النظر لدى بعض شخصياتها. ولا يزال بعض بيوت العائلة يحتفظ بهذا اللقب. ومن البديهي أن تُسمى المزرعة باسم صاحبها (فيُقال مزرعة آل براقي) لا العكس كما ذهب إليه الرمضان.
بينما الخطأ الآخر الذي وقع فيه الغزال في حساب تراث الأحساء هو محاولته تفسير رسالة حاكم الأحساء حينها أحمد السديري. الذي يطلب فيها من فرحان بن فياض (الغاء) بيع مزرعة اشتراها أهل العمران. والغريب كيف فسر صاحب الحساب أن المزرعة مغتصبة من أهل التويثير بدون وجود اي قرينة أو اشارة لذلك.
وأهل بلدة التويثير معروفين ببطولاتهم وحمايتهم لبلدتهم وممتلكاتهم. ويشهد لهم التاريخ بانتصاراتهم المدوية والتي عُدت منعطفاً هاماً في تاريخ الأحساء القديم والحديث. كانتصارهم في معركة (غار ابو الجماجم)على الجبور، رغم قوتهم واستعداداتهم التي مكنتهم من السيطرة على الأحساء بعد تغلبهم على الدولة الجروانية. وانتصارهم ايضاً على العجمان في معركة العويجة، قبل توحيد المملكة العربية السعودية. فلم يستطع العجمان دخول التويثير وتكبدوا خسائر كبيرة في هذه الواقعة التي أكدتْ مِنعة التويثير وشدة بأس المدافعين عنها. ومن ذلك أيضاً، ونتيجة لتراكم الخبرات المتوارثة لدى العائلة، أشار السيد عبدالمحسن بن حسن الحاجي -زعيم التويثير في حينها- على الملك عبد العزيز ببناء برج جبل ابوحصيص حيث وضع فيه المدفع الذي كان أداءه حاسماً في معارك الملك عبد العزيز مع العجمان.
بينما الواضح من رسالة حاكم الأحساء الموجهة إلى فرحان بن فياض وهو من أهالي بلدة المقدام المجاورة للتويثير -وربما يكون هو أمير المقدام في حينها- أن بيع المزرعة من قبل أحد الأشخاص من بلدة المقدام لأهالي العمران قد سبب إضراراً لأهل التويثير. وغالبا ما يكون القصد من ذلك هو نزاع حول حصة الماء من الأنهار التي تسقي المزارع. وربما يؤيد ذلك وجود وثيقة أخرى فيها: (يهَبُ) عامر بن فرحان آل فياض حصة الماء من نهر الشيباني وتحديداً من ثبر البدو للسيد حسن بن ابراهيم بن حاجي وهو زعيم بلدة التويثير في حينها. مما يدل على الثقة والعلاقة الطيبة والوثيقة بينهما خصوصاً أن وثائق أخرى أشارت إلى أن عامر بن فرحان كان وكيلاً للسيد حسن بن حاجي في شراء بعض المزارع.
هذه الأخطاء الكبيرة (للأسف) في قراءة وتفسير الوثائق التاريخية، كان يمكن أن لايقع فيها الرمضان و الغزال لو بذلا بعض الجهد في الإستقصاء ودراسة العوامل المحيطة بهذه الوثائق قبل التعجل بالنشر.
والأخطاء في دراسة الوثائق قدْ تكون كارثية وتسبّب تصور مغلوط لدى المتلقي ولربما تشوه الحقائق وتسبب إرباكاً وتضليلاً للباحثين المختصين وتكلّفهم جهداً كبيراً في البحث و التقصي، ولربما تكون عائقاً امامهم للوصول للحقائق الصحيحة والغير مشوهة بأراء تخالف الواقع وتصْرفهُ عن حقيْقتِه.