التطوع بمفهومه العام هو بذل البر، والبر هو جماع الخير، قال تعالى: (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ)، قال الحسن البصري: أي فعل غير المفروض عليه من صلاة أو زكاة أو نوع من أنواع الطاعة، ويدخل في خير عموم أفعال الخيرات، من منح الحب، وإفشاء السلام وإدخال السرور، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وبذل الطعام قال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه…)، والإسلام كما أمرنا بإقامة العبادات أمرنا كذلك بالاهتمام بالمعاملات، وأن يعين الرجل إخوته، والسعي في قضاء حوائجهم، وقدّم ذلك على نوافل العبادات رفعاً لشأن وأهميّة المُعاملات ونشرا للخير بين عموم خلق الله، وإيجاد مجتمع متكافل متحاب ومتعاون، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لئن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا) وعن النبي ﷺ أنه قال:(من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً)، وقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (خير الناس أنفعهم للناس) و (لا تحقرنّ من المعروف شيئا)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «بينما كلب يطيف بركيه كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر لها به ».
وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، الصدقات ليست قاصرة على نوع معين من أعمال البر بل القاعدة عامة أن كل معروف صدقة، وأفضل صدقة التطوع ما كان أثرها دائما وممتدا في حياة الإنسان وبعده، ولا يكون ذلك إلا بالعمل المؤسسي ذي البعد الاستراتيجي والله أعلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له).
ونشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع من خلال الإعلام والملصقات ووسائل التواصل والنشرات ورسائل الهواتف النقالة، أمر جميل ويحقق ارتقاء ونقاء وليكن في خلد كل متطوع عدم انتظار كلمة شكر من أحد حتى ولو قدم الكثير من الجهد ولا يحزنه أن يقوم هو بكل العمل ثم يتوجه الناس إلى غيره بالمديح والثناء، فيكفيه أن الله مطلع على عمله والثواب منه سبحانه أكبر وأشمل.
وديننا دين اجتماعي، دين محبة وتعاون وألفة، دين الجود والعطاء، دين القلب الواحد والجسد الواحد والمجتمع الواحد والكلمة الطيبة خير والعمل البدني خير والنية الطيبة خير وكل عمل تطوعي يراد به وجه الله فيه نفع للناس ومخلوقات الله هو خير في خير والإسلام يأمر بفضائل الأخلاق والأعمال، لذا فإن كل عمل جميل نحن مندوبون إلى فعله والمجتمع بطبيعته الطيبة النقية ينظر إلى من يتطوع بفعل الخير نظرة تقدير وامتنان لأنه فعل ذلك لحبه للخير وتعديه إلى أناس آخرين لا يعرفهم بالعموم، أي لا يرجوا من وراء عمله هذا منهم جزاء أو مكاسب، بل قد يفعل ذلك لهم ثم لا يراهم مرة أخرى في حياته، وليس هذا للعمل الفردي فقط وإنما حثنا الله سبحانه وتعالى على العمل الخيري التطوعي المجتمعي التعاوني بكل صوره وجمع ذلك كله بقوله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان“
مؤلف وكاتب وناشط اجتماعي