اهتمت الشريعة الإسلامية منذ ظهورها بوضع تشريع جنائي لانقص فيه مكمل لحاجات المجتمع الإسلامي واستقراره وأمنه وسلامته بغض النظر عن جنس القتيل ولونه ومعتقده، فحرصت حرصاً شديداً للحفاظ على دماء الناس وصيانتها، فجعلت حفظ النفس البشرية من الضرورات الخمس، ولذا كان في إقرار القسامة تثبيت وتحقيق لهذه الغاية.
والقسامة تتعلق بمسألة الإثبات في القتل جريمة القتل، حيث أن هذه الجريمة تثبت بإقرار مرتكبها أو بشهادة الشهود أو باليمين، أما عندما لا يقر المتهم بارتكابه للجريمة ولا يوجد ما يثبت ارتكابه لها عليه عند ذلك نتجه للبحث عن القرائن، فلو وجدت قرائن قوية تدل على القاتل يمكن إثبات التهمة عليه باستعمال ما يسمى بالقسامة والقسامة هي أن أولياء القتيل يحلفون بالله تعالى خمسين يمينًا على أن فلان قتل مورثهم.
ويثبت القتل إذا تمت القسامة بشروطها، وهي:
1- أن يكون هناك لوث أي تكون هناك عداوة سابقة.
2- أن يكون المدَّعَى عليه مكلفاً، فلا تصح الدعوى فيها على صغير ولا مجنون.
3- أن يكون المدَّعِي مكلفاً أيضاً، فلا تسمع دعوى صبي ولا مجنون.
4- أن يكون المدَّعَى عليه معيناً، فلا تقبل الدعوى على شخص مبهم.
5- إمكان القتل من المدَّعى عليه، فإن لم يمكن منه القتل لبعده عن مكان الحادث وقت وقوعه ونحو ذلك، لم تسمع الدعوى.
6- ألا تتناقض دعوى المُدَّعِي.
7- أن تكون دعوى القسامة مفصلة موصوفة، فيقول: أدّعي أن هذا قتل وليي فلان بن فلان، عمداً أو شبه عمد أو خطأ، ويصف القتل.
ويترتب على ثبوت القتل ما يترتب على القاتل، فإذا كانت الدعوى بقتل عمد ثبت عليه القصاص، وإذا كانت الدعوى خطأ ثبت وجود دية، وتكون صفة القسامة إذا توافرت شروط القسامة، وذلك بأن يبدأ بالمدعين فيحلفون خمسين يميناً توزع عليهم على قدر إرثهم من القتيل على أن فلاناً هو الذي قتل مورثهم، ويكون ذلك بحضور المدعى عليه؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَاَله وَسَلَّمَ في حديث ابن أبي حثمة الماضي: “أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟”.
نختم قولنا: أن القسامة يمين مكرر في دعوى القتل وهي خمسون يميناً من خمسين رجلًا، ولو كان أقل من خمسين رجلًا فتتقسم خمسين يمينًا بينهم، فهي تجب على الذكور البالغين وهذا يدل على عظم القسامة وخطرها، فالأصل في الدعاوى أن جانب المدعي عليه المنكر أقوى لارتباطه ببراءة الذمة، لكن القسامة لما كان مع المدعي من اللوث رجحت دعوى المدعى فصارت اليمين في جانبه، فلا يحكم بالقسامة إلا أن يكون بين المقتول وبين المدعى عليه لوث فوجودها قرينة تقوي جانب المدعي.