أحيانًا لا يوجد شيء يجعلك تحزن على الإطلاق .. ! أنت بعافية ، أهلك بخير ، من تُحبهم بقربك ، لديك نعمة تسد بها جوعك وبيت تنام فيه ، في يدك ولو صديق واحد تستند إليه ، تمتلك أشياء جميلة بغض النظر عن ماينقصك .
إذًا ما هو سبب حُزنك ؟ الإجابة في عقلك .
عقلك هو موظف لديك ، أنت من تتحكم به وليس العكس ، ولكن كثيرًا ما يتخلى عن وظيفته ويصل بك إلى أعلى درجات السيطرة والقيادة فيتملكك وتُصبح أنت المُسْتَخَدم لديه ، تتحرك وفق ما يُرسل إليك من إشارات وأفكار ، كل ذلك يحدث بسبب انجرافك المستمر مع أفكاره .
في كثير من الأحيان تجد نفسك أشبهُ بالبحر الهادىء ، ولكن سرعان ماتضج بك الأمواج يمينًا ويسارًا ؛بسبب ما يجري في عقلك ، الذي تارةً يعود بك إلى ذكريات الماضي المؤلمة ، فيبدأ في تقليب صفحاتٍ قد طواها الزمن ، ليقلب مزاجك ويُفسد عليك اللحظة وتارةً أخرى يذهب بك إلى الحاضر المجهول ويبدأ في وضع أسئلة وأحداث ، يجعلك تُفكر بها طيلة الوقت وتجهد عقلك وروحك بها دون فائدة .
لا تُوجد إجابة كافية وشافية لما يدور في ذهنك ، سوى أن الذي تُفكر به لا يمثلك دائمًا وليس بالضرورة أن يكون صحيحا فكم مرة جعلك تُفكر بشكلٍ خيالي وأبعدك عن واقع حياتك بتفاصيل وأشياء لا تمت لك بصلة وكم مرة جعلك تُقارن نفسك بغيرك وتسأل نفسك الكثير من الأسئلة وكم مرة جعلك تُسيء الظن بالآخرين وفقًا لتجارب سابقة وكم مرة جعلك تندم على فُرص فائتة وكم مرة جعلك تشعر بمشاعر سلبية غير صادقة تجاهك وتجاه الآخرين .
النسيان هو نعمة من الله ولولاه لما استطعنا أن نتجاوز الصعاب ولما نهضنا من ألم الغياب ولما عشنا بخير مع الأحباب وعلى الرغم من ذلك ، لا يوجد إنسان ينسى بالشكل النهائي والسبب يعود إلى قوة ذاكرة العقل وقوة تخزينها التي تفوق على ذاكرات الحواسيب والأجهزة الذكية العملاقة بأكملها في هذا العالم والدليل هو أنك أحيانًا قد تكون سعيدًا للغاية وبمجرد مرورك على مكان حدثت لك فيه مشكلة ، تبدأ تتذكر وتحزن لهذه اللحظة الفائتة وتنسى لحظتك الآن وتُكدر صفو مزاجك .
لن تعيش هادىء البال ما زلت تفتح نافذة عقلك للصوص الماضي ، للأفكار البشعة ، للمشاعر السلبية التي تصبُ في منطقة عقلك وتهدر الكثير من وقتك وتسرقك بعيدًا عن حياتك ،قريبًا من عقلك الذي يؤدي بك إلى نفق مُظلم من الأفكار ، يجعلك تشعر بالضياع والوحدة وكأنما ليس لديك خالق مسؤول عنك ، كريم أكثر ما تتصور ، يُدير حياتك بأفضل حكمة وعدالة ، لا ينسى حتى أبسط وأدق تفاصيلك الصغيرة .
دع عقلك يقترب من الله ، ويستشعر نعمه الصغيرة قبل الكبيرة عليك . لتستخدم نعمة عقلك لصالحك وليس ضدك ولتعلم جيدًا بأن هذه الأفكار مُجرد خيارات في يدك ، أنت من تختار ، إما الأفكار الجيدة التي تُقدمك نحو الأمام أو الأفكار السيئة التي تُعيدك إلى الخلف .
ولتَفتح عقلك في بداية كل يوم ، مثل مايتفتح الزهر كل صباح ، اجعله يُشرق وينعم بالرضا ؛ لأنك إن رضيت ستشعر بأنك تمتلك كل شيء في الحياة ، وهذا هو الشعور الذي سيجعلك ترى الحياة رائعة ، حتى وإن كانت مليئة بالأحداث المأساوية .
كذلك عليك بالتأمل ، تأمل الأشياء الجميلة التي من حولك ، تأمل صنع الله ، تأمل مخلوقاته ؛ لأن التأمل سيجعلك أكثر هدوءًا ، كي تعيش اللحظة بكل ما تملك من وعي وحتى تُصبح واعيًا أكثر ، حينها لن تُعطي لتلك الأفكار أهمية كُبرى ؛ لكي لا تنفجر حُزنًا ويأسًا داخل عقلك وتجعل منك إنسانا سلبيا أو غير سعيد في كل الأحوال ؛ لذا دعها تمر مرور الكرام لكي تنعم روحك بالراحة والسلام .