شمعة حارة العسيلة والدتي: منيرة بنت عبدالله بن عبدالرحمن بوهميل رحمها الله ( 1370-1434هـ )
عندما نرحل عن هذه الدنيا لا يبقى إلا الذكر الطيب والعلاقات الإنسانية التي نُورثها من حولنا. هناك شخصيات تنتهي بوفاتهم، نتذكرهم ربما بعد شهر أو شهرين .. سنه أو سنتين ..وهناك من تبقى ذكراهم إلى الأبد في قلوب أحبابهم، ليس إلا من صنيع معروفهم وجزيل خيرهم وحرصهم على سعادة من حولهم، كانت إحداهن والدتي: منيرة بنت عبدالله بوهميل. وكما قيل عنها، شمعة حارة العسيلة وسراج النور في زمانها.
ولدت(منيرة)-رحمها الله- في بيت دين وأدب وعلم في أجواء الأحساء الجميلة، وعاشت طفولتها الجميلة مع إخوانها وأخواتها بين المرح واللعب فتحملت منذ صباها المسؤولية مع أمها لكونها الأخت الكبرى لذلك لم تتعلم القراءة والكتابة مع تردديها لمقولة (العبرة ليس بمسكة القلم ولكن من استطاع أن يُعبر) ولكن كانت سريعة الحفظ والبديهة لذلك حفظت الكثير من سور القرآن الكريم وبعض أرقام هواتف العائلة.
ثم تزوجت بعدها بأبي -حفظه الله- الذي كان مسفارا نظرا لطبيعة عمله فكانت لنا الأم والأب أثناء غياب أبي عن البيت. أنجبت من الأبناء ثلاثة ومن البنات اثنتين وترفلنا في الدمقس والحرير وفيض الحب والحنان، كانت حكيمة العائلة وصاحبة القلب الطيب لعائلتها وتوجيهاتها صائبة لذلك كان أبي وأمها وأبيها يعولون على رأيها دائماً. كانت في شؤون أبي داعما له منذ زواجها وطاهية لطعامه ومربية لأطفاله رغم عدم توافر لها خادمة لم نشعر يوما ما بالحاجة لغيرها.
امتازت بحبها لصلة الرحم وكان بيتها مفتوحاً لجميع أفراد عائلتها في السراء والضراء، كانت جارةً لأمها وبارةً بها فحين مرضت جدتي كانت في حاجتها وقامت على رعايتها وخدمتها إلى أن توفيت جدتي رحمها الله. أعطاها الله قلب يحس وينبض بمعاناة من حولها فحين يمرض أي قريب لنا تحث أبي بالزيارة السريعة فذات يوم رأيتها تطلب من أبي أن يذهب بها لزيارة ابنة عمها التي كانت مريضةً وأراد أبي أن يستأخر الزيارة ليوم آخر ولكنها أصرت وبعد زيارتها بيومين توفيت ابنة عمها فالتفتت لأبي وقالت الحمد لله أني زرتها قبل أن تموت.
في فترة النضج وكبر أبنائها، سرعان ماتقلدت هذا المثل ” شمعة حارة العسيلة” . كان بابها مفتوحاً من بداية اليوم إلى قرابة وقت النوم، ولم يكن مفتوحاً إلا لأخ يشكو وجارة حزينة من ظلم زوجها أو رفيقة تريد أن تسعد بنصائحها .. لم يأتِ من حولها لها إلا لسماع النصيحة والأخذ بالرأي السديد في زمن ضعفت فيه العلاقات الانسانية من حولها وتعظمت في بيتها. لم يكن استقبالها متكلفاً أبداً، فقد كانت شربة ماء أو فنجان قهوة ومنزل نظيف جداً ورائحة بخور تفوح في المنزل .. كان هذا فقط كل مايسعد قلب من يزورها ويتلطف للحديث معها.
حرصت رحمها الله على الصلاة والقرآن كثيراً، وقد كان هذا سر حكمتها وفصاحة لسانها وقدرتها على جمع من حولها على قلب واحد.. اهتمت كثيراً بالحرص على آداء النوافل في وقتها، والحرص على أداء صلاة التراويح والقيام في شهر رمضان في المسجد القريب من منزلها.. فرغم مرضها في سنواتها الإخيرة إلا أنها لم تفتر عن تلبية نداء ربها. وفي يوم الجمعة سنة 1434ه رحلت صاحبة الخلق الطيب منيرة بنت عبدالله بوهميل تاركة لها أثر طيب في قلب الغريب قبل القريب ..كثيراً ماكان يذكر أبناؤها بعد وفاتها بسنوات هذه المقولة عندما يقابلون شخصا لا يعرفونه..” آه.. هل أنت ابن منيرة بوهميل؟!… رحمها الله فلها مواقف طيبة لا تنسى مع الجميع”.
إن من متع الحياة الدنيا صفاء النية والعلاقات الطيبة والتواصل المعنوي الراقي الذي يوفر لنا الأمان النفسي والمادي فقد افتقدنا هذا كثيراً في زمن التواصل الوقتي الذي ينتهي بانتهاء الرد على رسالة الواتس أب .. دعونا نتفقد أحباءنا ونكون شموع خير لأهلنا فقد نرحل عن العالم ولا نعلم .. هل سوف يتذكرنا أحبابنا كما يتذكر الكاتب أمه … لكن نرحل ولا يبقى إلا الخير موصول إلى يوم القيامة وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.