أثار أحد الأصدقاء موضوعاً يخص الطلاق وهل أنت مع أو ضد “المال من أجل الطلاق”.
الموضوع هذا بالذات أصبح متفشياً ودارجاً في مجتمعنا، وأصبح الرابط المقدس الذي يجمع بين شخصين داخل مؤسسة الزواج خاضع لمعايير غير أخلاقية، ويستغل بشكل بشع حتى أصبحت بعض الفتيات تخشى الزواج والارتباط كلياً بسبب ما ترى وتسمع عن مصائب حدثت مع مثيلات من بني جنسها، كذلك أصبح الزوج يجبر زوجته على البقاء معه قصراً حتى مع علمه بعدم رضاها ورضوخها للاستمرار معه فقط لأنها مثلا، لا تملك المال كي تعوضه، أين كنا وأين أصبحنا وإلى أي نهاية نسير؟!
عجباً والله، أين ولت المروءة التي كانت تميز الرجل الشرقي؟ أين رجالنا الذين يتميزون بشهامتهم وسماحتهم وكرامتهم التي يضعونها نصب أعينهم، أصبحنا في مجتمع مادي يتحكم ويقيم علاقاتنا الاجتماعية حتى أسماها.
العلاقة الزوجية ليست مؤسسة تجارية قوامها المال، العلاقة الزوجية قائمة بالأساس على المودة والتراحم والعطف، وتجد في القرآن الكريم آيات كثيرة جداً تتحدث عن حسن العلاقة بين الزوجين، ومن أبرز هذه الآيات قوله تعالى في سورة الروم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وفي تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، أنقل لك عزيزي/تي القارئ ما جاء في بعض التفسير: وذلكَ أنَّ كلَّ علاقةٍ بينَ اثنينِ، فإنَّها إمَّا أن تكونَ قائمةً على المودةِ والحبِّ أو تكونَ قائمةً على الرَّحمةِ والعطفِ، وقد جمعَ اللهُ -تعالى- للزَّوجينِ كِلتا العاطفتينِ لتقويةٍ هذا الرَّباطِ الشديدِ، والميثاقِ الغليظِ؛ فما أحكمَه سبحانَه!.
وإنكَ لتعجبُ وأنتَ ترى اثنينِ لا يعرفُ أحدُهما الآخرَ سنينَ عدداً، مُتجاهِلينِ، مُختلفينِ، قد عاشَ كلٌّ منهما حياةً مُختلفةً، وطبائعَ مُختلفةً، وعاداتٍ مُختلفةً، لا عاطفةً بينهما ولا مَعرفةً، فإذا حصلَ الزَّواجُ ألقى اللهُ -تعالى- في قلوبِهما المودةَ والرَّحمةَ، وصدقَ اللهُ -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
فتجدُ في حالِ الصِّحَّةِ والشَّبابِ تتَجلَّى علاقةُ الحُبِّ والمودَّةِ بينَ الزَّوجينِ؛ لأنَّ كُلاًّ منهما يَعيشُ في رَبيعِ العمرِ، والحُبُّ يُنعشُ هذه العلاقةَ ويُقوِّيها، وأما في حالِ الكِبرِ والضَّعفِ تتجلَّى علاقةُ الرَّحمةِ؛ لأنَّ ضَعفَ الصِّحَّةِ في الشَّيخوخةِ يَجعلُ الإنسانَ بحاجةٍ إلى رحمةِ الآخرينَ وشفقتِهم، وأَقربُ النَّاسِ إلى الزَّوجِ زوجتُه، وأقربُ النَّاسِ إلى الزوجةِ زوجُها، فيرحمُ كلٌّ منهما صاحبَه.
ويكذبُ عليكَ من يقولُ أنَّ كلَّ البيوتِ قائمةٌ على الحبِّ فقط، بل قيامُها على الرَّحمةِ أقوى وأشدُّ، يقولُ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ-: “تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَأَى بِهَا الْجُدَرِيَّ، فَقَالَ: اشْتَكَيْتُ عَيْنِي، ثُمَّ قَالَ: عَمِيتُ، فَبَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مَاتَتْ، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بَصِيرٌ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَرِهْتُ أَنْ يُحْزِنَهَا رُؤْيَتِي لِمَا بِهَا“.
وهناك رجلٌ قد تجاوزَ الثَّمانينَ من عُمرِه، تُزيلُ الممرضةُ بعضَ الغُرزِ من إبهامِه وذَكرَ أنَّه في عَجلةٍ من أمرِه؛ لأنَّه لديه موعدٌ في التَّاسعةِ، فسألتْهُ: إذا كانَ موعدُه مع طبيبٍ، فأجابَ: لا، لكنِّي أذهبُ لدارِ الرِّعايةِ لتناولِ الإفطارِ مع زوجتي، فسألتْهُ: لماذا زوجتُكَ في دارِ الرِّعايةِ؟، فقالَ: بأنَّها هناك منذ فترةٍ؛ لأنَّها مُصابةً بالزَّهايمرِ، فسأَلتْهُ: وهل ستقلقُ زوجتُك لو تأخرتَ عن الموعدِ قَليلاً؟، فأجابَ: إنِّها لا تستطيعُ التَّعرفَ عليَّ منذُ خمسِ سنواتٍ مَضتْ، فقالتْ له مُندهشةً: ولازلتَ تذهبُ لتناولِ الإفطارِ معها كلَّ صباحٍ على الرغمِ من أنها لا تعرفُ من أنتَ؟، فابتسمَ الرَّجلُ فقالَ: هي لا تعرفُ من أنا، ولكنِّي أعرفُ من هيَّ.
مما سبق ذكره نستشف عمق العلاقة المقدسة التي هيأها الله لعباده وسهل سبلها التي تقوم على أساس متين من الأواصر الخلقية العالية فكيف لنا بعد كل هذا أن نمنح بعض الصلاحيات لشريك الحياة ونمسك أخرى.
العلاقة الزوجية، علاقة شراكة يوجد بها مسئوليات ووواجبات وحقوق، فلا يجوز ان يطغو بعضهم علي بعض ولا يسيطر أحدهم علي الآخر بحجة الزواج، يجب منح بعض الحرية في التعبير وبعض الخصوصية والاستقلالية الشخصية في ممارسة بعض الحقوق الطبيعية التي تشعر الزوج أو الزوجة بكيانه وتبرز شخصيته، العلاقة الزوجية علاقة تبعث على الراحة والاطمئنان، لذا من البديهي أنها تدعم الشخصية وتساهم في تطويرها وتفجير طاقاتها الكامنة، فيصبح الشخص في ظلها أكثر ثقة ومحاط بكل أسباب النجاح والتقدم، وهذا عكس ما نراه ونلمسه ونتساءل لماذا، ما الذي تغير، ولم نحن لا نطبق كلام الله تبارك وتعالى؟
المسألة ليست تجارة، هي حياة إنسان إما ان يكون سعيد داخل تلك المؤسسة الزوجية أو لا، وهنا يكمن فيصل الموضوع، المال آخر شيء مفترض أن نوليه اهتمام أو نفكر فيه.
المرأة أعطت بيت الزوجية عمرها وجزء كبير وغالي جداً من كيانها وحياتها، وربما حياتها كلها، فأي مال هذا الذي بإمكانك أن تساوم عليه أيها الزوج من أجل الحصول على الطلاق، ألا يمكن أن يكون هذا الزواج يسبب لها أذى نفسياً، معنوياً أو مادياً، لماذا يصر الطرفين على التعويض، هل بعد خسارة تلك الحياة خسارة تضاهيها قي القيمة؟!
نعم، من الممكن تقبل ذلك الأمر في بعض الحالات، كحالة رفض المرأة للاستمرار في الحياة الزوجية وهما في بداية المشوار، من الممكن تعويض الزوج بمقدار معين من الخسائر، لكن لا يأتي الزوج بعد مضي عدة سنوات من العشرة ليطلب منها مبلغاً أياً كان ذلك المبلغ مقابل حصولها على الطلاق (والله عيب وفعل مستهجن)، يكون حينها لديه منها عدداً من الأطفال ويقول تعويض، أي تعويض هذا! المرأة هلكت صحتها في إنجاب وخدمة أطفالك وتطلب تعويضاً! متناسياً العشرة وقول امسكوهن بمعروف وسرحوهن بإحسان
.
هدانا الله وإياكم لما في الصلاح والسداد وأسال الله السكينة والمودة والامان لكل شخص مقبل على هذه الخطوة المباركة.