بدأت مسيرة كفاحها من الصفر كانت دوافعها فطرية بحتة، يغلب عليها الطابع الإنساني العطوف مما جعلها تمضي قدماً دون أن تلتفت للوراء، فعندما يخير الإنسان بين البقاء أو الفناء وبين العيش بكرامة وتعفف أو التذلل للناس وهدر ماء الوجه يصبح القرار صعب والخطوة فيصلاً – خاضت الحياة العملية وشقت لها طريقاً لترى من خلاله النور فالمعادلة جداً صعبة – إما أن تكون أو لا تكون وأخيراً أستطاعت أن تكون رمزاً من رموز الأسر المنتجة.
إنها: نرجس صالح الدشيشي من مواليد بلدة القديح التابعة لمحافظة القطيف بالمنطقة الشرقية – في العقد الثالث، متأهلة وحاصلة على شهادة الثانوية العامة – صحيفة جواثا الإلكترونية التقت بها فكان الحوار التالي:
بداية ما نوع النشاط التجاري الذي تمارسينه ؟
مشروعي التجاري مختص في صنع الحلوى والمعجنات.
ما الأسباب التي دفعتك للتفكير بهذا المشروع ؟
لتوفير لقمة العيش الهانئة لإخوانـي الذين تركاهم لي والداي أمانة في عنقي بعد وفاتهما حيث أنّي الأخت الكبرى، وكان عليّ تحمل مسئوليتهم وأنا ما زلت في سن صغير فلطالما حلمت بأن أقدم لهم الشيء الذي يسعدهم بسبب قسوة الزمن علينا لكن بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم رضا والديَ تحققت لي هذه الأمنية ولله الحمد.
متى بدأتِ مشروعك بشكل فعلي ؟
بدأت مشروعي بشكل فعلي قبل خمس سنوات أما عن بداياتي في هذا المجال فقد خضت التجربة منذ ما يقارب 8 سنوات حينها كنت في الرابعة عشرة من عمري وكنت أتدرب على صنع الكيك والحلوى ودائماً ما أفشل ولكني لم استسلم ابداً فقد كنت أحاول مرة واثنتين وثلاثة إلى أن أتقن صنعه.
هل تلقيتِ دعماً وتشجيعاً مادياً أو معنوياً من المحيطين بكِ ؟
في ذلك الوقت لم أحصل على دعم مادياً لكنني حظيت بتشجيع مستمر من والداي وإخواني وأصدقائي وهذا الشيء كان الأهم بالنسبة لي، وبفضل دعمهم تمكنت من تطوير نفسي وتعزيز قدراتي حيث أصبحت متمكنة من صنع أصناف الحلوى والمعجنات بأنواعها .
ما العقبات التي واجهتِها أثناء تأسيس المشروع ؟
أولى المواقف التي تعرضت لها، تتمثل في نظرة المجتمع لي، لكني لن أعمم لأني تعرضت لهذه التصرفات من بعض الأشخاص الذين كانوا ينظرون إليَ نظرات دونية ويتلفظون بكلمات وعبارات محبطة كانت تؤذي مشاعري مثل: “أحد يدرس طبخ ويبيع شوفي لك شغلة غير هذه”، في البداية كنت أتأثر من كلامهم وتحز في نفسي وتحزنني نظراتهم لكني لم أكن أستجيب لأحد؛ لشغفي بهذه المهنة الشريفة التي تسد جوعي وجوع أخواني وتلبي احتياجاتي فهي توفر لي عيشاً كريماً يغنيني عن الحاجة للناس وما يسعدني حقاً هو أني أحقق لأخوتي ما حرمت منه كالدراسة والرعاية؛ لذلك لم أكن أستمع إلى هؤلاء ولم أسمح لأي شخصٍ كان أن يوجه لي كلاماً سلبياً بإمكانه أن يقلل من عزيمتي، أما العقبات التي واجهتني وكسرت ظهري.. كان أشدها حدوث حريق في بيت العائلة ولمرتين متتاليتين، حيث تلف كل ما في المنزل وعلى إثره فقدت أدوات الطهي التي كنت أستخدمها في صنع الحلوى والفطائر والشهادات التي حصلت عليها من الدورات المهنية، كانت الحادثة فعلاً مصيبة بل فاجعة كبيره عليَ، لكني فوضت أمري لله.
ما الآلية التي اتبعتها في تسويق منتجاتك ؟
بالنسبة للآلية التي أتّبعها في تسويق منتجاتي غالباً ما أسوقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة عبر حسابي على الواتس أب، أما فيما يخص زبائني فأنا دائماً أوليهم رعاية واهتماماً لا سيما إذا كانت الزبونة ذات وضع مادي منخفض (فأنا أعطيها عيوني) فالتأخد ما تشاء وأهم شي عندي أني استطعت رسم ابتسامة على وجهها، بعد ذلك أصبح مشروعي التجاري ممتازاً جداً في السنتين الأخيرتين، خاصة بعد التحاقي بعدة دورات منها: “الطباخ الماهر”، فأصبح الإقبال على منتجاتي أكبر ومع مرور الوقت كونت زيائنَ دائمين، بعد ذلك قمت بتوسيع العمل وإدخال أصناف مختلفة كالمقبلات والمحاشي وابتكرت طرقاً جديدة لتوزيع منتجاتي حتى أصبحتْ فيما بعد معظم الطلبات التي تأتيني تختص بإعداد بوفيهات حفلات الزواج وأعياد الميلاد والمناسبات الأخرى وأصبحت القطيفية الأولى في هذا المجال.
من خلال خبرتك التي اكتسبتها من الإنتاج والتسويق- هل تشجعين على مزاولة هذا النشاط ؟
نعم بالتأكيد أشجعهم وأتمنى لجميع المُنتِجات التوفيق وربي يرزقهم ويغير حال كل محتاج ونصيحتي لهم، أن يتحلين بالصبر وطول البال فهذه المهنة تحتاج للكثير من اللباقة وحسن التعامل بالإضافة للنظافة والحرص على معايير الجودة المتفق عليها والتحلي بالصدق والأمانة في كل شيء.
برأيك- هل يعتبر المؤهل العلمي ضروري لإدارة مشروع تجاري ؟
نعم يعتبر المؤهل العلمي ضرورياً في مزاولة أي نشاط كان ونصيحتي للمقبلين على إنشاء مشاريع تجارية، أن يحرصوا على الحصول على مؤهل علمي لأنه مطلوب فعلاً ويمثل جانباً مهماً في العمل التجاري ويُمَكِنهم من إدارة مشروعهم بشكل جيد ومدروس.
كيف تعاملت مع كورونا في ظل الحجر وما هي تداعياته على نشاطك التجاري؟
أزمة كورونا لم تكن على البال ولا على الخاطر، أتتنا بغتة وعطلت معها كل الأعمال وخسرت الدخل الذي كان يعينني، كذلك الأوضاع الحالية جعلتني بعيدة عن أخوتي الذين يسكنون في شقة بمفردهم بعد احتراق منزل العائلة فعانيت كثيراً من فرض حظر التجول الكلي خاصة أننا في شهر رمضان ولا أستطيع إعداد الطعام لهم أو المكوث معهم، لكن بعد أن أصبح الحظر جزئياً أصبحت أطهو لهم الطعام وأرسله لهم في وقت مبكر من النهار.
من منطلق مكانتك الاجتماعية نود لو تحدثينا عن رمضان والفعاليات التي اعتدتِ القيام بها في الشهر الكريم ؟
شهر رمضان، شهر مبارك يجمع العائلة على سفرة واحدة يتشاركون فيه الزاد والدعاء، الكل يعد الطعام ويقدم منه “نغصة” لجيرانهم ومن عاداتنا في هذا الشهر الحرص على زيارة الأهل لنبارك لهم قدوم الشهر الكريم خاصة الجد والجدة، ونذهب في بقية لياليه إلى المجالس الدينية التي تحث على الخير والصلاح وتبحث في آيات القرآن الكريم وما تحويه من عبر، ولا أنسى الاحتفالات التي تقام في ليلة النصف منه والأهازيج التي يرددها الأطفال وهم يطرقون الأبواب طلباً للحلوى والبركة وهم يرتدون الملابس الشعبية الجميلة ويتقلدون الحلي وقلائد الورد والريحان، أما اليوم فرمضان لا يحمل لي سوى الذكريات التي تسكن مخيلتي، دائماً أتذكر والدي وأيام مرض الوالدة ومعاناتي أثناء مرضها، أتذكر اللمة وأيامنا السابقة في ظلهما ودرس القرآن وصوت الوالد وهو يقرأ الأدعية، وأحن كثيراً للأمان الذي كنت فيه وللأحاديث التي كنا نتبادلها معاً، هذا عدا الأعمال التطوعية التي ما زلت أشارك فيها حتى اليوم.
ما أكثر شيء تفتقدينه في رمضان هذه السنة ؟
رمضان هذه السنة مختلف جداً فالدهشة ما زالت تسيطر على العالم مع بعض القلق والخوف من القادم، أفتقد في رمضان روح رمضان والسكينة التي كانت تعم الجميع ولمة العائلة والأهل وأفتقد عملي وزبائني بسبب الظروف الصعبة التي نمر بها، فهذه الشهور الثلاثة التي مضت من أسوأ الأزمات التي مرت بي، اسأل الله أن يغير الحال وأقول لعله خيراً وإن شاء الله تنقضي هذه الأزمة وتعود الحياة مثلما كانت وأفضل بإذن الله.
كلمة أخيرة تقدمينها لصحيقة جواثا الإلكترونية ؟
أقدم للصحيفة والقائمين عليها خالص شكري وامتناني لاختياركم لي ضيفة عليكم في هذا الحوار الشيق الذي استمتعت به كثيراً واسترجعت من خلاله تاريخاً طويلا يضج بمشاعر متباينة أهمها: احساسي بالانتصار على ذاتي وقدرتي على تخطي مصاعب الحياة وشكري الخاص لك.
2 pings