تعتبر فترة الحجر (الحلس) هي فترة من أجمل الفترات التي تمرّ على الفرد، إذ يكون لديه المتسع من الوقت لينجز أشياء كثيرة وبكلّ أريحية، إذ لم تتح له الأيام الخوالي إنجازها كما ينبغي، فأيام الحجر أو الحلس والمكوث في الدار تتيح له مراجعة النفس، ومهما كان وضع الشخص الاجتماعي وقيمته، ومكانته في عشيرته، وعند أبناء مجتمعه فلا بُدّ له من القيام بأموره في هذه الفرصة.
إنّها فترة للتأمل والنظر بعمق في مجريات الأمور، وكما يقال، وعليه أن يضع النقاط فوق الحروف أو تحت الحروف أو في بطن الحروف، المهم هي اتّخاذ قرارات صائبة وصريحة وواضحة مع النفس ودون تراجع أو تردد في الوقت ذاته.
فإذا لم يقرر الفرد في تلك المسائل أو في أموره كأنه تخرّج من المدرسة دون أن يفكّ الخط، أو حتى لا يتقن كتابة اسمه، أو كما يقول المثل: (خرج من المولد بلا حمص)، فإذا طبق المثل فتلك مصيبة.
وفي فترة الحجر لا بُدّ وأن يكون للإنسان قد استلهم الدروس وبإتقان بالغ وإنه تعلم جيداً وبامتياز بدون معلم يملي عليه شروطه وتعليماته، وما عليه إلا أن يطبّق تلك المواعظ والدروس في حياته اليومية بعد فك الحظر، فإذا لم يطبقها بكلّ حذافيرها فلا فائدة مما درسه خلال هذه الفترة الصعبة التي مرّت عليه.
وبما أنّ الإنسان على نفسه بصيرة فهو قد اتّخذ نظريات وقواعد متينة الأسس وعليها يرسي دعائمه أو يرسي قاربه في مرفأ الأمان بعد اجتيازه البحر اللجي والأمواج المتلاطمة والرياح العاتية.
وأنا على يقين بأنّ هناك من تعلم من فترة الحلس أو الحجر واتّخذ قراراته لأمور كثيرة، فليس من السهل اختبار الناس والحكم عليهم اعتباطًا ولكن فترة الأزمات كما هو الحال في هذه الجائحة التي نسأل الله السلامة منها.
إنّ اتّخاذ القرارات في حياة الفرد لأيٍّ كان ليس بالأمر الهيّن أو السهل كما يقال؛ ولهذا نجد أنه من الصعب أن يعطي أيّ شخص قراره في أيّ مسألة فهو يطلب مهلة للتفكير يوماً أو بعض يوم.
وجائحة فايروس كورونا التي ألزمت الناس في المكوث في دورهم جعلت منهم أن يعيدوا الاعتبارات ويفكروا بعمق ويتخذوا القرارات بعد اجتياز هذه الجائحة.
وإذا كانت الظروف الصعبة تعصر الإنسان وتتحكم فيه فحتماً لا بُدّ وأن تأتي ساعة الفرج وتشرق الشمس من جديد ويتحكم الإنسان في تلك الظروف، فالحلس ليس كالحرية المطلقة.
فكثير من الناس أتقنوا الدرس ووضعوا النقاط على الحروف وهم ينتظرون ساعة الفرج ليبدؤوا التحرك تجاه خططهم وبالذات تجاه أنفسهم؛ لأنّهم خلال هذه الفترة عرفوا من هم الأحباب الحقيقيون، وعرفوا ما معنى العلاقة الاجتماعية حيث إنّ التعاون بين الفرد والمجتمع أو بين الفرد وعشيرته وجيرانه وأصدقائه كيف كان قبل الجائحة وكيف كان بعده.
وعلى ضوء ذلك هناك معايير يقيم الفرد ويتخذ قراراته تجاه الآخرين.