
تمظهرت الشخصيات بسياقاتها، من خلال ردة الفعل مع جائحة (كورونا) التي تغلغلت في الشعب الهوائية للشعوب دون تمايز بكبريائها، فهي لا تزور الناس في منازلهم. وإنما تترصدهم حين خروجهم من منازلهم. وعلى كل حال الجائحة أوجعتنا وجعلتنا، نائح ونائحة. وفي نفس الوقت كشفت ذواتنا ونفسياتنا. ففي المدلهمات تتمحك الشخصيات وتظهر على سجيتها، ومن هذه الشخصيات:
1- القيادية
أهم سمة يتميز بها القائد بجميع السياقات، حسن التدبير والرأي السديد، وفي هذا النسق تقول العرب:
إذا كُنتَ ذا رأيٍ فَكُنْ ذا عَزيمَةٍ — فإنَّ فَسادَ الرأيِ أنْ تَترددا
وإن كنت ذا عزم فانفذه عاجلاً — فإن فساد العزم أن يتقيدا
ومع (كورونا) اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- موقفاً حازماً وصارماً، حيث أمر بإغلاق الحرمين الشريفين والمساجد والحسينيات والأسواق والمدارس والجامعات وقاعات الأفراح، وحظر التجول وغير ذلك من الإجراءات الاحترازية.
وبالمقابل أظهرت لنا (كورونا) بعض القادة لم تكن ردة فعله إزاء الجائحة متوافقاً وخطرها. فلم يأخذ بالتحذيرات، حتى أصبحت دولته الأولى كورونياً. وبعضهم لم يحسن صياغة خطابه، وبدلاً من أن يزرع الأمل، خاطبهم بالاستعداد للموت. وإذا تتبعت الاجراءات المتخذة من قيادات العالم تلاحظ الفارق الكبير في صياغة التدابير والتعابير.
2- الإنسانية
طفحت للسطح المشاعر الإنسانية، وتسابقت المواقع والحسابات والقروبات في نشر المواقف بأبهى صورها. وفي الواقع (كورونا) وحدت العالم إنسانياً. وتصاعدت المفاجآت، من ذلك تبرع سخي من ممثلة أفلام إباحية إيطالية الجنسية (إلونا ستالر Ilona Staller) بمبلغ مقداره 60 مليون دولار. كذلك تبرعات من رجال أعمال وعلماء بل وفقراء تبرعوا بجهودهم وتطوعهم بالأعمال الخيرية، بدافع إنساني صرف.
3- الإستراتيجية
تفاعلت الصين مع الجائحة بعقلانية واستراتيجية حتى قضت على عدوها الشرس، وغدت المنقذ الأول منه عالمياً بخبرتها. ومن جهة أخرى يحق لنا الاعتزاز بخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وباستراتيجيتة الراقية. فعندما دخلت أولى الحالات المرضية إلى السعودية من زوار الإمام الرضا – عليه السلام- ، رشحت أصوات يشم منها رائحة التأجيج والتحريض. ولكن بصدور الأمر الحكيم بالاعفاء عن الملاحقة القانونية للزوار نظير القدوم المبكر. ألجمت المغرضين، المفتنين. وأعطت رسالة مفادها: (مصلحة الوطن والمواطن بأطيافه، الهدف الأسمى).
4- الطبية
ظهرت الكوادر الطبية في العالم بالصف الأول لمجابهة (كورونا) ومنهم من لقي حتفه، بسبب الفيروس. هذا الدور الطبي، الضمانة الحقيقية للتصدي لهذا البلاء. ونحمده تعالى أن كوادرنا الطبية بالسعودية أظهروا كفاءتهم وقدراتهم الفائقة ابتداء من وزيرها الموفق، توفيق الربيعة، وظهروا بمظهر مشرف مشرق، تعجز الكلمات أن تفيهم حقهم لقاء ما بذلوه ويبذلونه.
5- الأمنية
أثبتت الجهات الأمنية بالعالم أنها اليد الطولى في الحفاظ على استقرار الوطن. وبجهودهم اليقظة تم تطبيق الحظر وإغلاق المنافذ الحدودية. وفي السعودية أظهرت كوادرنا الأمنية قدرتها في تطبيق الانظمة، وتتبعهم اليقظ للاختراقات ورصدها وصيدها وتقديمها للمحاسبة.
6- الدينية
الشريحة الوحيدة التي اصابها انحسار مع انتشار (كورونا) الشريحة الدينية، وكل رجال وعلماء ومشائخ الدين يتعبدون بمنازلهم، بمعزل عن مقابلة المجتمع. لهذا بابا الفاتيكان في خطابه ظهر وحيداً. ووجدت الشريحة الدينية ضالتها في (السوشيال ميديا social media) فظهر بعضهم في تفاعله كورونياً بعقلانية وتوازن، بطلبه الدعاء لله تعالى، والأخذ بتعليمات الأطباء، والأنظمة. ومنهم قناعته أن الله الشافي ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ ودعمها بقول مأثور “علمه بحالي يغنيني عن سؤال”. ومنهم من أمر محبيه بالصلاة جماعة، بوجاهة: “بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ …”.
7- الثرية
في العالم شعر الأثرياء بواجبهم الإنساني، وبذلوا الغالي للقضاء على الفيروس المتغطرس، من هؤلاء الثري الامريكي بيل جيتس بتبرعه 100 مليون دولار، والشيخ سليمان الراجحي بمبلغ 170 مليون ريال وتسليم وزارة الصحة ثلاثة فنادق تحت تصرفها. ورجل الأعمال جواد بوخمسين بتبرعه، وجعل سلسلة من فنادقه تحت تصرف الحكومة الكويتية، داخل وخارج الكويت. والقائمة تطول بأهل الجود والكرم، وهذا السخاء للنساء فيه نصيب.
ومن جهة ثانية تجد بعض الأثرياء يحسب لهم ألف حساب في مجتمعهم، ولم يحركوا ساكناً، وإنما وجدوها فرصة سانحة لاكتناز المزيد من الذهب والفضة.
8- الإعلامية
توعية الناس وإيصال رسائل الاطمئنان والمستجدات فيما يتصل بالجائحة، أمر في غاية الأهمية، من هنا تجد المجالات الإعلامية لها مكانة كبيرة سواء من هيئة الأمم المتحدة وقنواتها، أوالحكومات والأفراد. وتتنافس القنوات فيما بينها لتقديم المستجد والمستند التوثيقي للجائحة. من ذلك بيانات على مدار الساعة بعدد المصابين والمتشافين، وتوجيهات تثقيفية توعوية.
9- التفاعلية
تتحرك هذه الشخصية حسب امكاناتها، فإن كانت ثرية تتفاعل مالياً، وإن مثقفاً بما ترشح به يراعته ببراعته، وكذا بنشره المقاطع التوعوية والتثقيفية، في جميع الوسائل التواصلية المتاحة. والاشادة بمن يبذلون النفس والنفيس في سبيل التخلص من كابوس (كورونا). وهذه الشخصية الايثارية بوعيها وادراكها تنتقي ما يحفز ويبعث الأمل.
10- الأنانية
تهتم هذه الشخصية أولاً وأخيراً، بذاتها ومحيطها الأسري، وهمها سلامتها صحياً وتموينياً، لهذا لا تجد صاحبها يشارك مالياً أواعلامياً أواجتماعياً. وربما يكون لديه حسابات بالمواقع والقروبات، ولا يكلف نفسه العناء بالمشاركة بكتابة تحفيزية أو إبداء وجهة نظر. أو حتى إعادة نشر ما تم نشره. وهذه الشخصية بسجينها تنتهج (الأنانية) مسلكاً عن قصد وقناعة.
11- التفاؤلية
تتعمد الشخصيات الإيجابية تحويل النقمة إلى نعمة، والاحتراز إنجاز. فهي تنظر للحجر المنزلي بأنها فرصة لتعميق الأواصر الأسرية، واستثمار الوقت، وخلق أجواء كلها حميمية، ومراجعة الحسابات. وتنظر إلى التشدد في الإجراءات الصارمة إيجابياً بأنها ضرورية للأمن الوطني.
12- التشاؤمية
يعيش بعضهم بحالة مأساوية، وينظر للأجواء الكورونية بذاتيته فيرى العالم في طريقه للزوال وأنه في سجن، وفي حالة يرثى لها. ومن يصادفهم يعتبرهم أقرب للشياطين باحتمالية نقلهم (كورونا) ويعيش ﴿مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
13- الانتهازية
انتهزت الفرصة وانشغلت بتصفية حساباتها، على سبيل المثال تكرار تعريف الفيروس بصفته (الصيني). وكذا الطلب من الدول المعلنة اكتشاف العلاج للجائحة، الحصول عليه بالاغراء المالي، بعدف احتكاره. وكذلك بعض التجار رفع الأسعار، وتحفظ آخرون على البضائع في مستودعاتهم حتى يقل العرض ويكثر الطلب عليها وبالتالي فرض الأسعار. أضف لذلك انتهاز الأجواء الكورونية لمصالح ذاتية.
14- العدائية
في خضم التداعيات الكورونية، تظهر لنا أصوات نشاز عدائية بتلقائية وبنفس بغيض تحريضي، ضد المختلف معهم عقدياً وغيره. وبهذا تؤكد أنها لا تنضح الحب والمساعدة والتآلف، وإنما نضاحها الكراهية والأحقاد والضغائن “وكُلُّ إِناءٍ بالذي فِيهِ يَنضَحُ”.
الفكرة:
تنهض المجتمعات بالوعي والإدراك، الذي يقودها للتقصي والمتابعة، ومعرفة من يتفانى مخلصاً بتقديم خدماته من الباب الإنساني؟ ومن جهة ثانية يدرك في هذه الأجواء الكورونية العصيبة، من الذي لم يتحرك مالياً، مع امتلاك المقومات والقدرات؟
وتوجد تساؤلات تفرض نفسها: إذا لم يتحرك هؤلاء في هذه المعمعة، فمتى يتحركوا ؟
مع شكرنا وتقديرنا لكل الجهود المبذولة الرسمية والأهلية من جميع الشرائح، جعلها الله في ميزان أعمالهم. نسأل الله تعالى التوفيق لجميع البشرية وأن يحفظنا في أوطننا ونحن نرفل بثوب العز والكرامة، تحت ظل قيادتنا الحكيمة.