يقال “رب ضارة نافعة” ماذا فعلت يا فايروس كورونا؟ انقلبت الموازين رأساً على عقب، علقت المدارس وأغلقت المساجد والمنتزهات وصالات الإفراح والنوادي الرياضية والأسواق الشعبية احترازياً ويوماً بعد يوم تأتينا الأخبار تتراً في كل لحظة وثانية نسمع خبر في ازدياد عدد المصابين، إلى أن انتهى بنا الأمر إلى حظر التجوال من الساعة 7 مساء وحتى الساعة 6 صباحاً ولمدة 21 يوم ! ثم ماذا؟ ثم ظهرت المواهب الإبداعية إما على شكل رسائل ومقالات تحذيرية أو على شكل فيديو وصور ، وكل أدلى بدلوه ، سواء من ناحية دينية أو نفسية أو صحية أو اجتماعية فقد أخذ هذا الفايروس جميع النواحي الفكرية والعقلية ، إننا في حرب بلا دبابات أو طائرات حربية أو مدرعات! عدونا هو فايروس كورونا ، ببساطة سلب منا حريتنا والإقتراب من أحبابنا ، نحن نعيش في حرب حقيقة وعدوها مخفي لا يرى بالعين المجردة ، حظر التجوال أشبه بفرض الحصار في حالات الحروب! قد تضيق صدرونا بسبب التغيرات الجذرية التي حدثت ولكن أليست هي أرحم لنا من أصوات القصف والإنفجارات؟ فلا زلنا ننعم بنعمة الأمن والسلام ولازال بالإمكان الخروج لشراء المقاضي ولازال هناك هواء نقي نتنفسه، فعلام نضجر ونتجهم من جلوسنا في المنزل؟.
دعوني أذكر لكم قصة الأب الذي أراد أن يعلم ابنه كيف يواجه مشاكل الحياة وتحدياتها، فاصطحبه إلى المطبخ، وملأ الأب ثلاث أوانٍ بالماء وأشعل تحتهم النار، بدأ الماء في الغليان.
أحضر الأب جزرة وبيضة وكمية من البن، ووضع الجزرة في الإناء الأول، والبيضة في الثاني، والبن في الثالث.
الأب صامتا تماما منتظرا أن تنضج هذه الأصناف الثلاثة، بينما بدأ صبر الابن ينفد، فهو لا يدري ماذا يريد أبوه.
نظر الأب إلى ابنه وقال: عزيزي، ماذا ترى؟ أجاب الابن- جزرة وبيضة وقهوة.
ابتسم الأب، وطلب منه أن يتحسس الجزرة، فلاحظ الابن أنها صارت ناضجة وطرية، ثم طلب منه أن ينزع قشرة البيضة، فلاحظ أن البيضة باتت صلبة، ثم طلب منه أن يرتشف بعض القهوة، فارتشف رشفة.
نفذ صبر الشاب وسأل والده، ماذا يعني هذا يا أبي، فقال الوالد وقد ارتسمت على وجه علامات الجدية، اعلم يا بني أن كلًّا من الجزرة والبيضة والبن واجه التحدي نفسه، وهو المياه المغلية، ولكن كلًّا منهم تفاعل مع هذا التحدي على نحو مختلف.
الجزر كان قويًّا وصلبًا، ولكنه ما لبث أن تراخى وضعف، بعد تعرضه للمياه المغلية، أما البيضة فقد كانت قشرتها الخارجية تحمي سائلها الداخلي، لكن هذا الداخل ما لبث أن تصلَّب عند تعرضه لحرارة المياه المغلية، أما القهوة المطحونة فقد كان رد فعلها فريدًا، إذ أنها تمكنت من تغيير الماء نفسه.
ونحن أيضاً يجب علينا مواجهة فايروس كورونا وأن يكون رد فعلنا كحبيبات القهوة ، سنقر في بيوتنا ولكن بدون خوف بل بطمأنينة ، لإن الخوف ذاته قد يقتلنا قبل أن يصل إلينا الفايروس ! الصحة النفسية أهم من الجسدية لإن كل ماتتأثر به النفس سينعكس على الجسد والعكس غير صحيح ، علينا أن نتعايش ونتقبل قضاء الله ، فالأيمان بالقضاء خيره وشره هو من أركان الإيمان والتسليم لقوله تعالى “قل لن يصيبنا إلا ماكتبه الله لنا” وأنا أقول لفايروس كورونا شكراً لك ، شكراً لإنك ذكرتنا بالرجوع إلى الله والتوسل إليه ، شكراً لإنك علمتنا من جلوسنا في المنزل أن نكتشف بعض العادات والسولكيات السلبية فينا والتي لابد أن نحمي أنفسنا من الوقوع فيها احترازياً ، أن نقضي الوقت بما ينفعنا ويخدم وطننا بدلاً من التذمر ، واسأل الله لي ولكم دوام الصحة والعافية.