
لازالت هذه الفئة موجودة وبكثرة، النسخة القديمة تكتفي بالشبع، النسخة الأخرى كلما أكلت ازدادت شراهة، بل ويتضايفون ويجهزون لها الموائد المسبقة الإعداد أو الحاضرة في حينها، والبعض يسميها ضيافة الفُسَّاق، وجهد العاجزين، ومرعى اللئام، فكم هُتِك على هذه الموائد من أستار، وانتُقِص بسببها من أخيار، ولُفِّق في سبيلها من أخبار، يشترك في ذلك الفاعل والسامع والراضي.
من تجربة شاهدتها بأم عيني، وسمعتها بأذني، المجالس التي يدّعون أنها للاجتماع والتواصل ليست الا للغيبة والقيل والقال، مجالس رجال ونساء على حد سواء، تتحقق فيها معاني مصطلحات الغيبة والإفك والبهتان.
ستختفي الكثير من المشاكل إذا تعلم الناس الحديث مع بعضهم البعض أكثر من الحديث عن بعضهم البعض، فمجالس الغِيبة مجالس شرٍّ وبلاءٍ وفتنة، وأكلٍ للحسنات، تُؤكَل فيها لحوم المؤمنين، وتُنتَهَك فيها أعراضُ الغافلين، موائد هلاك، ومسالك عطَب، مجالس تنضَح بالوقيعة في الخلق، يُؤذِي المُغتابُ فيها نفسَه وجليسَه وغيرَه من العبادَ.
قالت العرب: استح من ذم من لو كان حاضرا لبالغت في مدحه، ومدح من لو كان غائبا لسارعت إلى ذمه.
هذي حقيقة نعاني منها ولا نملك الشجاعة الأدبية للحديث عنها بصراحة، ولكننا نتقنها بمهارة عالية، فنجتمع في الأفراح لنغتاب الجميلة والقبيحة والنحيفة والسمينة، وتلك زوجها أجمل، وذاك زوجته أغنى وفعلت وقالت، وتأتي فراستنا لتعزز للغيبة أشكالاً بالقول أحس أنها كذا وكذا، للأسف وكأننا نتسابق لجمع السيئات.
وأنا اقول قول المتنبي:
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ
فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ
صلواتنا وعباداتنا لم نؤديها لنضيعها في سويعات تأكل ما اجتهدنا في تحصيله، بل وننال فوق ذلك غضب الجبار ومقته في الحديث عن الناس والهمز واللمز، والأولى أن ننشغل بعيوبنا لنصلحها، وبحياتنا لننتج ونربي ونحيا حياة اوالسعادة والسعادة في ترك الإنسان ما لا يعنيه.
ويبقى في الناس من مجالسهم نور وتشع بالضياء في انتقاء كلمات في رضى رب السماء.
مدربة ومستشارة أسرية
1 ping