ماذا يعني الحق، ومن أين ظهر وما هو أصله ومبدؤه؟ ظاهراً لا يوجد خلاف في مسألة وجود الحقوق أصلاً، فلا نجد حقبة زمنية أو بقعة مكانية تنفي ذلك لو بحثنا ولكن ربما نجد الخلاف في من أين ظهرت هذه الحقوق وما هو معيار تحديد وتقرير الحقوق على الآخرين؟
في العلوم التجريبية والطبيعية اذا أردنا أن نعلم صحة قضية أو نظرية فالتجربة خير برهان وهي الأسلوب الأساسي لذلك، أما في المسائل الاعتبارية والقيمية كالأوامر والنواهي الاخلاقية والحقوقية فكيف يتم ذلك ما هو المعيار والملاك لتحديد صحة قضيةٍ ما ؟
جواب (مدرسة الحقوق الطبيعية) :
يقول البعض وهم التابعين لهذه المدرسة أن الطبيعة هي منشأ الحقوق وهي التي تمنح وتسلب الحقوق من الناس فمثلاً حينما نقول أن للإنسان حق الحياة وحق الغذاء فإن طبيعة وجوده وطبيعته الفيزيائية هي ما تمنحه هذا الحق فإذا لم يتمكن الانسان من الأكل ومن الدفاع عن نفسه للبقاء فسينقرض وبالتالي يكون أساس وجوده لغواً و بلا فائدة وهذا معنى ان هذا (حق طبيعي للإنسان )
ولكن أول سؤال يطرح هنا بالنسبة لحدود الحق، بمعنى انه اذا اقتضت طبيعة الانسان ان يكون له حق الحياة والغذاء فله أن يستوفي حقه باي طريقة وأن يستغله على أي شاكلة، هل يعني ذلك ان له الحق في الحفاظ على حقه في الحياة حتى لو كان ذلك فيه تدميراً لحياة الآخرين من البديهي عقلاً ان حق الحياة يكون مقبولاً ما زال لا يسلب حياة الآخرين والا كان من الضروري سلب الحق والصلاحية ممن يسلب هذا الحق من الآخرين وذلك من حقه في الحياة يسلب حق الآخرين في الحياة سلب هذا حق الحياة منه هو عين الحق ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ” وذلك يعني ان واقع القرآن وبما لا شك فيه يحترم هذا الحق للإنسان بشكل عام ولكن اذا كان هذا يؤدي الى فساد وتضييع حقوق الآخرين وتعريض حياة المجتمع والناس للخطر فإنه ” ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب ” .
أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يرى ان الإعدام كعقوبة لابد أن يلغى مطلقاً فيأتي السؤال هنا لماذا لا يجب قتل الإنسان برغم قتله واراقته لدماء الكثير من الناس؟ وما هو الدليل المنطقي في كون هذه العقوبة عمل باطل؟ هل لأنه جاء في الإعلان ذلك وفقط؟ هل يوجد اجماع من جميع علماء ومفكرين جميع العصور على ذلك؟، حسنا حتى يكون السؤال من ناحية علمية، ما هو الدليل المنطقي والعقلي في أن هذه الحقوق – الطبيعية – مطلقة ولا يوجد فيها استثناء؟ يقولون لأن الطبيعة هي من اعطت هذا الحق فلا يحق لأي شخص سلبه، هذا يعني أن الشخص يحق له التغذية بأي وسيلة كانت ولو سرق ولو بطش لأجل ذلك، فإذا كان الوضع كذلك فتلغى أهمية وضع القوانين في البلدان لمحدودية وضبط سلوك الأفراد ويكون وضع القانون عمل غير صحيح .
نستنتج من جواب المدرسة الطبيعية أن شيئا باسم الطبيعة يمنح الإنسان حقوقاً هي موجودة بمقتضى وجوده ولبقائه و استمراره ولكن لا يستفاد منها بأن هذه الحقوق مطلقة ولكن لا يوجد فيها نوع من المحدودية أو الاستثنائية .
جواب مدرسة الحقوق الوضعية : الادعاء الأساسي لهذه النظرية أن أصل الحقوق عبارة عن اتفاق جماعي بمعنى أنه تتحدد نشأة الحقوق أو وجودها من عدمه في قبول المجتمع أو عدمه فإذا قبل المجتمع أن هناك حق للأب على الابن والعكس فإنها ستثبت ومالم يقبله ويتفق عليه المجتمع من حقوق ليست موجودة اصلاً وعلى هذا الأساس فإن النظام الحقوقي يختلف من مجتمع لآخر ويتغير من زمان إلى آخر بحسب مقبولية المجتمع كما انه لا يحق لأي مجتمع أن يفرض نظامه الحقوقي على آخر أو أن يعترض عليه وعليه أكبر ما يمكن أن نعتبره نقض لأساسات هذه المدرسة هو حق ” الفيتو ” حيث انه حق يعطى لبعض الدول لمجرد انها الأقوى سواء اقتصاديا أو غيره أن تفرض سياستها القانونية أو فكرتها الحقوقية على بقية الأنظمة وليس لبقية الأنظمة حق الاعتراض على ذلك كما انه بمقتضى ما تستند عليه المدرسة من قبول المجتمع فلا يعود هناك لمنظمة حقوق الإنسان بالاعتراض على عقوبة كالإعدام باعتبار ان لها مقبولية لدى جميع المجتمعات الاسلامية فنستنتج اخيراً أن المدرسة الوضعية جعلت الآراء الاجتماعية والعادات هو أساسها دون أن يكون لها ضابط منطقي وأصل واقعي .
أما المدرسة الإسلامية وهي مدرسة لها نظرة مستقلة غير التقاطية لثبات أصلها ومنبعها كما انها المدرسة المتفردة في شمولها لجميع مجالات الحياة فهي إن قررت الحق قررته لمصلحة الفرد والمجتمع وكل الطوائف والأزمان لشمول نظرتها الكونية التي هي أساس للنظرة الحقوقية والاقتصادية والسياسية وغيره .. فما هو أساس النظرة الكونية في المدرسة الإسلامية ..؟
إن النظرة الكونية الإسلامية التي ترى ان الله هو مبدأ ومنتهى كل الوجود فعلى أثر ذلك تختلف نظرتها الحقوقية عن بقية النظريات الحقوقية في أنها ترى أن حق الله هو أصل ومنشأ كل الحقوق هو الأصل والباقي فرع من حق الله حسناً كيف نبرهن هذا المبدأ عقلا وذلك لان ديننا دين التعقل ..
توضيح الدين لهذه النظرية الاسلامية هو : ان جميع الحقوق تنشأ من حق واحد وهو أصلها جميعا وهذا الحق هو حق الله وحقوق الناس بعضهم على بعض ناشئة من حق الله على الناس وعلى هذا الاساس يكون ترتيب البرهان هنا على الشكل التالي؛ اولاً أن نؤمن بوجود الله ثم نبرهن بعد ذلك ان لله حق على الناس وهي مخلوقاته، اما الشق الأول فباعتبار اننا بلد مسلمين جميعنا نؤمن بدين الله وأما كيف ولماذا يكون لله حق على الناس فهذا ما سنوضحه.
فإننا في الحقوق اذا اردنا اثبات حق لشخص على شيء او شخص آخر فإن ذلك يكون مبني عل نوع من انواع الملكية للشيء او للشخص فإن ما يقبله العقل ومصدق به ان للمالك حقاً ويمكنه التصرف في ملكه، اما في حال لم يكن الشخص مالك وليس له إذن من مالك فليس له حق في التصرف وهذه من الامور البديهية ومن جهة اخرى فإن من اصول عقائد ديننا وما نؤمن به ان الله هو الخالق لجميع الوجود وان جميع الموجودات تأخذ الفيض منه وانه هو وحده عين الوجود الذي لا يحتاج الى علة والى فيض وبالنظر الى هاتين المقدمتين ” حق تصرف المالك في ملكه وأن الله مالك الملك والخالق لجميع الوجود والمستغني بذاته عن كل شيء” فالنتيجة من ذلك: ان أعلى مراتب الملكية تكون لله سبحانه وحده، لأنه المالك الحقيقي لجميع الوجود الذي له حق التصرف بأي شكل كان، كما انه ليس لأحد حق على الله وسائر الموجودات لأنه لا يتمتع بنوع من الملكية عليهم الا اذا أعطى الله ذلك الحق للإنسان بتفويض منه والدليل قوله تعالى:” انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون” .
وعلى هذا فإننا في ضوء الرؤية الدينية يمكننا اقامة البرهان على ان أصل ومنشأ الحقوق هو مالك الملك ولا يثبت اي حق لشخص على آخر الا كان هذا الحق لله بالأصالة وهو الذي يعطي ذلك الحق لذلك الموجود، اما في ضوء الرؤى الغير دينية والمدارس الحقوقية الاخرى، فإننا لا يمكن برهنة اصلها عقلا وأقصى ما يمكن ان يقال فيها: انه لما كان جميع الناس قد قبلوا التصديق بهذا الحق والإيمان بوجوده فهو إذن حق ثابت.
1 ping