واستيقظت طفلة المساء لتعبث بأوراق ( حسين ) كانت تتحرق شوقا لتلك الرائحة .. كانت تنبعث من بين الأوراق المصفوفة بعناية.. وكلما حصلت فرصة لتبيت مع جدتها ذهبت لذلك الدولاب البني الكبير في المجلس وفتحته..اوراق قديمة ومجلات وقصاصات اعلانات تجارية..وبعض الأدوات المكتبية المصنوعة من الجلد .
وأهم شئ هو ذلك الكتاب المغلف بورق كرتون مقوى ومدعوم بالقماش…كان لونه أخضر تفاحي.. إنه كتاب علوم للمرحلة الإبتدائية.. كان كتابا مميزا جدا..فمن صور النباتات وحبة البازلاء إلى أجزاء جسم الإنسان.. كان الغلاف يكسبه فخامة تفوق عمر طلاب الإبتدائي.. لا أدري لماذا احتفظ ( حسين) بهذا الكتاب بالذات ؟!!..هكذا تساءلت الطفلة…ويالجمال وغرابة تلك الرائحة من جديد..
كان فضول ذات التسعة أعوام كبيرا…أما قطع البسكويت المنتقاة بعناية لأجلها فكانت طعامها المفضل.وكلما حاولت العبث بالثلاجة راودتها نفسها بتسخين بعض الطعام ولكن خوفها من اشعال الفرن جعلها تتردد كثيرا وتكتفي بتذوق بعض الكعك والزبادي البارد أو تناول بعض الفواكه وقطع البطيخ.. لتعود مرة أخرى للدولاب البني في المجلس وتعبث من جديد..
أحبت القراءة كثيرا فحسين يحتفظ ببعض المجلات القديمة.. كان بعضها يحمل شخبطات جانبية تخص إخوته الأصغر سنا.. أجمل ما فيها اعلانات العطور الفرنسية وحقائب اليد المزخرفة ..
عادت للتساؤل عن سر تلك الرائحة الزكية والغريبة المنبعثة من بين الأوراق ! ثم أقفلت الدولاب وعادت للنوم وهي تحلم بامتلاك كتاب العلوم الأخضر..
عام بعد عام وانقضت السنون كبرت تلك الطفلة وصارت تذهب للسوق .. صارت تشم تلك الرائحة .. كانت تشبهها مع اختلاف بسيط وهو أنها كانت معتقة بين الأوراق.. لقد كانت رائحة عطر العود والعنبر.
وهكذا كلما حل المساء .. تذكرت الدولاب والأوراق ..كتاب العلوم والعود والعنبر لتعبث الذكريات في مخيلتها من جديد .