لقد جعل الله الزواج آية من آياته الكونية التي امتن بها على عباده فقد قال الله عز وجل : ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” [الروم: 21].
وبالزواج تتحقق أمور كثيرة ففيه حفظ للنفس من الوقوع في الحرام والانجراف نحو الرذيلة كما أن فيه سكنٌ للنفوس من مشاقّ الحياة ومتاعبها ولذلك فقد حثّ نبي الله صلى الله عليه وسلم من كانت لديه القدرة المادية والجسدية على الزواج فقال صلى الله عليه وسلم : ” من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وِجاء ” من ذلك نرى أن الله عز وجل قد جَبل الانسان – رجلٌ أو امرأة – على حب الاستقرار وتكوين الأسرة فالرجل بفطرته يميل للمرأة والعكس ولا يتحقق ذلك الاستقرار إلا بالزواج الشرعي، ومسألة الزواج بدورها تمر بمراحل عديدة ومن أهمها أن يتقدم الرجل لخطبة المرأة وهنا قد تظهر لنا ظاهرة اجتماعية تشكل خطورة كبيرة ليس على الأفراد فحسب بل على المجتمع بصفة عامة وهذه الظاهرة هي ( عَضْلُ المرأة ) ولكي نوضّح المقصود بعضل المرأة إذ أن هذا اللفظ يُعدّ مجهولاً وغريباً لفئة ليست بالقليلة من المجتمع باعتباره ليس باللفظ الشائع أو المتداول .. فيبدو وقعه على الأذن غريب بعض الشيء . فالعضل بمفهومه العام هو منع المرأة من الزواج من باب التضييق عليها أما مفهومه الشرعي فإنه : أن يمنع الولي المرأة من الزواج بالكُفءِ من الرجال عند رغبته بها ورغبتها به .
ولكي نكون بصدد حالة عضلٍ فعلية فإنه يُشترط لتحققها أن يُرتب هذا المنع على الفتاة أو المرأة ضرراً في دينها أو دُنياها فإن لم يكن كذلك فلا يُعتبر عضلاً .
وقد تتعدد أسباب العضل بالنظر للواقع الاجتماعي والقضائي على وجه الخصوص فنجد فئة من الأولياء تمنع فتياتها من الزواج وذلك بسبب طمعه في دخلٍ وظيفي تحصل عليه الفتاة ومنهم من يتعنت عند تقدّم الخاطب عن تزويج ابنته بأن يطلب قيمة مهرٍ مُبالغٌ فيها تؤدي إلى نفور الرجل منها إلى غيرها ومن الأسباب أيضاً أن الولي يرى بأن الخاطب غير لائق لابنته وذلك لأن حسبه ونسبه أقل منزلة منه أو لأنه ليس بذا منصبٍ وظيفي عالي مُتناسين بذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبير” وغير ذلك الكثير من الأسباب .
ولا يخفى أنه عندما تتفشى هذه الظاهرة بصورة كبيرة فإنه سيكون لذلك الأثر السيء الذي قد لا يُحمد عُقباه كما حذّر صلى الله عليه وسلم من أن تنتشر بها الفتنة والفساد في الأرض .
فعندما يمنع الولي باب العفة والستر للفتاة بأن يمنعها من الزواج بالكفء الذي رضيته فإنه بتصرفه ذلك يفتح الباب للشيطان وللرذيلة والفاحشة وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” ألا كلكم راعِ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته “.
وبطبيعة الحال لا تقتصر ظاهرة العضل على الفتاة البكر وحدها بل أنها تمتد إلى المطلقة عندما يطلقها زوجها طلقة أو اثنتين فتنتهي عدتها ثم يرى أنه يرغب في أن يتزوجها أو يراجعها فيمنعها أوليائها من ذلك وهذه الصورة بشأنها نزلت الآية في قوله تعالى : ” وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ” ] البقرة: 232 [ .
كذلك عندما يتوفى الرجل ويعمد أهله لمنع أرملتهُ من الزواج إلا بمن يُريدون باعتبارهم أولى بامرأة ابنهم. كما أنه قد يكره الرجل زوجته فيؤذيها و يُسيئ عشرتها رغبةً منه في أن تفدي نفسها منه وتُخالعه، أي أن تدفع له قيمة المهر الذي وهبه لها فيقول عز وجل : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ” ]النساء: 19 [.
كما أنه قد يمنع ولي اليتيمة تزويجها بالكفء من الرجال بغية أن يستأثرها لنفسه طمعاً بمالها وفيه قال عز وجل : ” وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ” ] النساء: 127[.
وغيره الكثير من الحالات والواضح من الآيات أن الله عز وجل قد حرّم ونهى عن إتيان هذا الفعل المُشين لِما له من آثار وخيمة نفسية واجتماعية فعلى الأولياء أن يتحرّوا الامتثال لأمر الله سُبحانه وأن يخافوه ويتّقوه في بناتهن ونسائهن وأن يستعيذوا بالله من الظُلمِ وإتبّاع الهوى و أن يتذكروا قوله تعالى : ” فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ” ] فاطر: 5[، فإن امتنع الوليّ أيضاً بالرغم من التذكير بالله والترهيب منه فإن الله قد شرع مسألة انتقال الولاية من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان فيقول صلى الله عليه وسلم : ” أيما امرأةٍ نُكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ولها مهر مثلها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان وليّ من لا ولي له “.
طالبة متدربة – كلية الحقوق
بجامعة الملك فيصل