بين التميز المالي والتميز العلمي والعملي الذي يصنعه ويتنافس عليه بنو البشر في حياتهم ومرورا بتميز ما بعد الموت الذي صنعه فراعنة مصر وميّزهم عن غيرهم إلى التميز الذي يوجد ببعض الناس من غير سعي منهم إليه
انطلق ضيف أمسية “خصم من الوزن الثقيل” المهندس حسين بن عبدالكريم العباد والتي أقيمت بقصر المنصورية ببلدة البطالية مساء يوم الجمعة الثاني من الشهر الجاري
حيث بدأ العباد قصته متحدثاً عن مشواره الدراسي بعد الثانوية العامة وكيف أنه سجل ودرس في ثلاث جامعات بين محلية وإقليمية ولكنه لم يستمر بها، إلى أن استقر به المطاف في قسم الهندسة الكهربائية بجامعة قطر كوجهة رابعة، كان منظره في جامعته الأخيرة يوحي للجميع بأنه أحد طلاب الدراسات العليا بالجامعة نظرا لكبر سنه مقارنة مع زملاءه بالدفعة، كما أوحى وجوده بينهم إلى أنه ربما كان طالباً مهملاً وكثير الرسوب.!
كما كان يتكرر عليه سؤال مزعج جداً من بعض جيرانه ومحيطه : متى ستتخرج يا حسين ؟ كم بقي لك لتتخرج ؟ تأخرت في الجامعة يا حسين !! بل حتى أحد أستاذته الجامعيين
واشار عليه بتغيير تخصص الهندسة الذي يدرس فيه إلى تخصص آخر أسهل حتى ينطلق ويتخرج!، ولكن ما لا يعلمه ذلك الأستاذ وألئك المحيطين بإبن عبدالكريم أنه منذ أن أنهى الثانوية العامة
وبدأ الدراسة الجامعية قد كان يواجه خصماً من الوزن الثقيل خارج أسوار الجامعة حيث أصيب حسين بمرض السرطان في الغدد اللمفاوية عافانا الله وإياكم
وتفاؤل الشاب العباد وايمانه بالله تعالى جعله يصف ذلك المرض بأنه تميز حصل له من بين أقرانه المصابين بمرض السرطان حيث لم يكن يعرف شخصاً آخر غيره مصاب بالمرض في هذا الجزء من الجسم.
لكن شعوره بالتميز تلاشى بعد أول جرعة علاجية بالكيماوي والتي استمرت معه لمدة ستة أشهر استطاع بعدها بفضل الله القضاء على ذلك المرض بالضربة القاضية على حد تعبيره أو كما كان يعتقد
ولكن بعد سنة واحدة فقط من العلاج عاوده المرض مرة أخرى ولكن هذه المرة بشكل أكثر شراسة من السابق مما اضطر الطاقم الطبي الخاص بعلاج حسين إلى عزله انفرادياً فترة علاجه التي استمرت مدة شهر، وبعد انتهاء العلاج استطاع العباد العودة لمقاعد الدراسة التي كان يفكر بها طوال فترة عزله العلاجية.
وبعد عودته إلى مقاعد الدراسة لم تستمر طويلاً حيث داهمه المرض *للمرة الثالثة حيث اضطر العباد هذه المرة للقيام برحلة علاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه تحدث عن هذه الرحلة العلاجية مبتسماً وهو يقول: كنت مميزاً جداً ، فلم يوجد في قواعد البيانات الأمريكية شخصاً يتطابق نخاع عظمه مع نخاع العظم الخاص بي لأستطيع إكمال علاجي.
عندها قرر العودة إلى أرض الوطن والعودة للعلاج الكيماوي وهو ماحصل فعلاً وتحقق له على أرض وطنه.
هنا قرر حسين العباد بكل قوة وتحدي أن يعود لمقاعد الدراسة حيث إلتحق بجامعة قطر سنة ٢٠٠٩ م، وكان يُحدث نفسه قائلاً: إن كانت نهاية ذلك المرض هو الموت حقاً فلن يوقفني هذا المرض عن تحقيق طموحي وانجاز مشاريعي التي كنت أحلم بها وسأختار الموت متحدياً لنفسي ولن أكون رهينة للمرض ومستسلماً له.
وللمرة الرابعة زار المرض الرجل الذي تحداه سابقاً، ولكن وجده هذه المرة يقابله بقوة وإرادة ونشوة انتصار لا مثيل لها ، فلم يوقفه المرض عن المشاركة في الأنشطة المحلية بدولة قطر بالإضافة للمشاركات العالمية والتي من ضمنها اختياره من قبل شركة توتال للطاقة للحضور والمشاركة بورش العمل في مجال الطاقة والتي أقيمت بالعاصمة الفرنسية باريس
وبعد ست سنوات من الدراسة بجامعة قطر وفي ظل وجود ذلك الخصم الثقيل تخرج العباد من جامعة قطر ليبدأ رحلة البحث عن العمل يقول وفي القلب أسى : لم يبكني المرض الذي نهش في جسمي ولكن أبكاني ما وجدته من رفض في سوق العمل فقد كنت أتوقع أن يستقبلني سوق العمل بالأحضان ولكن كثير من المقابلات الشخصية انتهت بالرفض حيث تعلل مسئولوا التوظيف بكبر السن والمرض الذي رافقني وتسبب في تأخري الدراسي والحال نفسه تكرر عندما قررت الزواج حيث وجدت أن كثيرا من الناس كانوا يحكمون عليَّ بالموت أو انتظار الموت وأن موتي هو مسألة وقت لا أكثر لذا تكرر رفضي !
إلا أنه ومن بين كل هذا الظلام وجدت تلك الإنسانة التي قبلت بي دون قيد أو شرط وهي زوجتي الحالية التي أشكر الله سبحانه عليها ليل نهار.
وقبل حفل الزواج بستة أشهر فقط عاد خصمه لينازعه حياته للمرة الخامسة وهو ماجعله يبكي للمرة الثانية ليس ضعفاً أمام المرض ولكن خوفاً على تلك الإنسانة التي سيرتبط بها وهو ماجعله يفتح معها موضوع الانفصال عن بعضهما فليس لها ذنب فيما يحدث وسيحدث له إلا أن العباد وجد زوجته قوية ولم تتخل عنه وكانت فيها من الشجاعة التي قبلت فيها الإستمرار معه وحضور جميع جلسات علاجه قبل حفل الزواج وبعده وهو ما أعطاه دفعة معنوية كبيرة للإنتصار على خصمه
بالاضافة الى دعاء والدته المستمر وحنان أبيه وعطفه و وقوف زملائه إلى جانبه جعله يغير تفكيره بطريقة أكثر ايجابية نحو مواجهة هذا المرض الذي تصاغر ولم يعد يشكل أي تهديد لطموح الشاب المناضل وكما قيل إذا أحب الله عبداً حبب عباده فيه فقد نال العباد حباً عظيماً من أسرته وأصدقائه
يذكر ان المهندس حالياً في صدد إنشاء مركز لتعليم الغوص لمن يعانون من مرض السرطان وهي الهواية التي كان قد عشقها بعد اصابته بالمرض وكانت تشكل متنفساً قوياً وأسلوب تحدي من العباد لخصمه ثقيل الوزن الذي تهالك أمامه يوماً بعد يوم وصدق المحيي سبحانه حين قال (وجعلنا من الماء كل شيء حي ) هنا انتهى حديث العباد، ليستمع بعدها لتعليقات وأسئلة الحضور بالأمسية .
ثم قام منظم الأمسية الدكتور منصور الجبران وبمعية الدكتور المحامي صادق الجبران بتكريم بطل الأمسية ثم تم إلتقاط الصورة الجماعية لمن حضروا الأمسية.