بدأ القلب بالخفقان والجسم بالارتعاش والعين تذرف الدموع عندما قلبت التقويم الهجري لمعرفة التاريخ حيث شعرت ببريق يلمع من رزنامة التاريخ إنها ليلة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة ليلة دحو الأرض وهنا عرجت بفكري نحو مكة المكرمة والبيت الحرام حيث اقترب موسم الحج المبارك وبدأت الاستعدادات لهذا النسك العظيم
رجعت بذاكرتي إلى الحجة التي حججتها وتذكرت المشاعر التي غلبتني عند الدخول إلى الحرم الطاهر المبارك من باب السلام حيث تقع عيناك على الكعبة الشريفة وهي مكسوة بالكساء الجديد إيذانا ببداية الحج في اليوم الأول من شهر ذي الحجة وحينما وقعت عيناي على الباب والحجر الأسود وحجر اسماعيل ومرزام الكعبة ومقام إبراهيم ومكان انطباع قدم النبي في الحجارة الصماء وارتفاع الكعبة حيث يخيل للناظر أنها ممتدة إلى السماء كالجبل الشامخ الذي لا تستطيع النظر إلى نهايته غمرني شعور بالفرح والرهبة لذلك المنظر
وما يزيد الموقف هيبة صوت التهليل والتكبير من الأطفال والشباب والكهول نساء ورجالا فالكل يلهج بالذكر والدعاء فهذا ساجد وهذا يصلي وهذا يطوف بالبيت
أنهيت نظراتي إلى الكعبة لاستعد للطواف حولها وهنا تذكرت قول أحد الفضلاء( إن الطواف بالبيت مثل الصلاة والنظر إليها عبادة)
بدأت بالطواف حيث الحجر الأسود سبعة أشواط عكس عقارب الساعة متجها بجهتي اليسرى اتجاه الكعبة ولساني وقلبي وكل جوارحي تلهج بذكر الله وبعد الانتهاء من الطواف أديت ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم ولمحت ماء زمزم فاغترفت منه قليلا لأروي به عطشي ثم توجهت إلى الصفا والمروة وجذبني وأدهشني هذان الجبلان والمسافة التي بينهما وأخذت أحدث نفسي كيف سأقطع هذه المسافة الطويلة فانا أرى البداية ولا أرى النهاية فتذكرت السيدة هاجر كيف أخذت كل هذه المسافة ذهابا وإيابا وهي تبحث عن الماء لوليدها الصغير فدب النشاط في وأخذت أسعى بين الصفا والمروة وأنهيت الأشواط السبعة دون تعب ولانصب ولم أشعر بأي ألم جسدي وذلك لانشغال القلب بالذكر والدعاء والتهليل والصلاة على النبي وآله
ثم طاف فكري حيث اتجاه الحجاج إلى عرفات ووقوفهم على جبل الرحمة وثم إلى مزدلفة لجمع الجمرات ثم إلى منى ثلاثة أيام التشريق و رمي الجمرات الثلاث الصغرى والوسطى والكبرى رمز الشيطان وترى كيف ترمي هذا الشاخص بالحصيات السبعة كل مرة وكأنك تنزع من نفسك الوساوس والذنوب والأدران التي طرأت على جسدك وتفدي نفسك بالأضحية لتحل من إحرامك وهنا تدرك أن الحج بثوبي الإحرام يجمع المسلمين ويوحدهم بهذا الرداء ويساوي بين مختلف الطبقات
كل تلك المشاعر الجياشة التي انتابتني كانت لحجتي قبل عشرين سنة وتمنيت أن تعود تلك الذكرى وأوفق لأن أكون من حجاج هذا العام ألبي وأطوف وأسعى وأقف على جبل الرحمة وأكون رقما مع حجاج بيت الله الحرام الذين لبوا نداء النبي إبراهيم عليه السلام
وأخيرا أسأل الله العلي القدير أن يمن على الحجاج بالسلامة والأمن والأمان وحسن القبول