
إن الحديث عن العظماء والتحاور في سيرتهم لهي مهمة جليلة وخطيرة ويأتي الحديث عن السيدة الزهراء عليها السلام لأنها تهدف إلى تقديم المثل العليا والقدوة الصالحة للمرأة في كل الأزمان والأماكن بخاصة في عصرنا الذي تاهت فيه بوصلتها سعياً الى إنقاذها من متاهات الحيرة والضياع والأخذ بيدها نحو شاطئ السلامة والأمان .
من هذا المنطلق وبحضور نخبة من سيدات المجتمع أقام مؤخراً فريق منتدى رؤى الثقافي أمسيته الحوارية الفاطمية وتزامناً مع ذكرى ولادة السيدة الزهراء عليها السلام تحت عنوان ( دور المرأة في تمكين نفسها إجتماعياً ودورها التربوي والإقتصادي تحت مظلة القدوة الكاملة السيدة الزهراء عليها السلام) بمشاركة الضيفين الكريمين سماحة الشيخ محمد العباد والأستاذ سلمان الحجي وتقديم الأستاذ عيسى العبدالكريم.
مقدمة الندوة :
بدأت الحوارية بتعريف منتدى رؤى الثقافي والذي له مسيرته العريضه في العطاء الثقافي والطرح الفكري والاجتماعي المتوازن وكانت الإضاءة الأولى من نصيب الشيخ محمد العباد حيث ذكر فيها : أن يوم ولادة سيدة نساء العالمين يستحق أن يُحتفَى به كيوم عالمي للمرأة لأنها الرائدة الأولى للمرأة والقدوة الحسنة فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاها هذه المكانة والسيادة والصلاحية لقيادة هذا العالم بكمالها وعصمتها وتفاعلها النموذجي مع أسرتها ومجتمعها .
وقد تضمنت الندوة التفاعلية عدة محاور تلامس أكبر هموم المراة في زمن الحداثة على الصعيد الأسري والإجتماعي والإقتصادي
المحور الأول
ابتدأ المحور بسؤال : في ساحات الحياة بصورة عامة أين ينبغي أن تكون المرأة في مجتمعها حاضرة ومتمكنة ؟ وتجاذبت المشارِكات من السيدات الفاضلات على أن للمرأة مجالات كثيرة وواسعة جداً في الساحات تحت مظلة الحصانة الروحية والأحكام الشرعية ويمكن للمرأة أن تشكّل قوة رادعة وفاعلة في المجتمع ودور الإسلام هو ملاحقة المتغيرات الحديثة ومستجدات الوضع البشري وفي مقابل كل تغير بشري خطاب ديني وإلهي يواجَهه من أجل التنظير له وإعطائه الصبغة الإسلامية الصحيحة والمرأة الموالية لها مجالات واسعة تحت هذه المظلة الإسلامية لتوظيف إمكانياتها وتفعيلها لتكون جزءًا أساسياً لاينفك من المجتمعات المتحضرة .
كما نوهت الأخوات الفاضلات إلى أن الدخول لمرحلة جديدة ومتغيرة يتطلب تأهيل المرأة واستعدادها لتقبّل المتغيرات والتعامل معها بوعي إسلامي فاطمي من هنا تأتي أهمية توضيح مفردة (التمكين) كونها تقع في قبال الحرمان من الحقوق والأدوار والمهام التي ينبغي أن تطالها المرأة بشكل طبيعي واجتماعي متناسب مع الزمن .
وهذه المرحلة لا شك تحتاج لتكاتف جماعي من قبل أطياف المجتمع لإحداث تطور ونقلة تليق بالمرأة بمشاركة جماعية متزنة وموحدة .
ولعل حافز التعايش والتواصل التقني المفتوح يلزمنا على إعادة صياغة المرأة ودورها التربوي والاجتماعي لكي ننال بنجاح المهمة الملقاة علينا .
هذه الباخرة الثقافية لم تبرح من الإبحار وصيد أجود وأنفع التجارب والرؤى حول تمكين المرأة نفسها في المجتمع والجدير بالذكر أن المرأة اليوم تعيش هموماً وصراعات بين سندان التقليد ومطرقة الحداثة بين الذوقيات الشرقية من مسؤلياتها في الأمومة والزوجية وبين العمل والمشاركة الإجتماعية
كما أوضحت السيدات الكريمات أن تمكين المرأة في الساحة الإجتماعية يبدأ من تمكينها داخل الأسرة وإعطاء الفتاة حقها في صنع القرار والعمل به حيث أن الرجل داخل الأسرة له دور كبير في تقوية شخصية المرأة أو إضعافها وبالتالي يكون لتلك التربية انعكاسة في تمكينها في ساحة أكبر بالمجتمع .
وبينت السيدات الدور الكبير الذي قامت به الزهراء عليها السلام داخل وخارج أسرتها حينما احتاجها المجتمع للمشاركة كل ذلك بدعم من النبي الأعظم(ص) والإمام علي(ع) وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الرجل اليوم حتى يُتاح للمرأة ان تأخذ موقعها في تحمل المسؤولية الأسرية والإجتماعية بكل أريحية تحت مظلات الشرع المقدس .
ومن هذا المنبر وجهت السيدات دعوة لخطباء المنابر لملامسة هموم المرأة الموالية في عصر الحداثة والاهتمام بالجانب التوعوي الذي بدوره ينهض من مستوى تمكين المرأة نفسها في الساحات الاجتماعية والاقتصاية موضّحاتٍ في الوقت نفسه أهمية تمكين المرأة في المنبر الحسيني والعاشورائي واستخدام هذه المنصة الثقافية في تفعيل الطاقات النسوية ورفع منسوب التحرك الثقافي والإبداعي للمرأة في ساحات المجتمع .
وهنا طرح الأستاذ سلمان الحجي سؤالاً من الذي صنع السيدة زينب عليها السلام؟ الصناعة تعبير مجازي يُقصد به النشأة مجيباً : أن هذه الصناعة كانت مشتركة بين السيدة فاطمة والإمام علي عليهما السلام وكان دورهما تكاملياً فلا يوجد مزايدة في دور أحدهما على الآخر فدور الأم لاينبغي أن يكون ضعيفاً في التربية لكن الأعراف غالباً تجعل من الأم هي الحلقة الأضعف في المنزل وينبغي على المرأة التغلب على هذا الإستضعاف العرفي لصناعة جيل زاخر بالفتيات القويات الواعيات لدورهن وموقعهن في المجتمع .
كما أوضح سماحة الشيخ العباد أن هناك لبساً وتشابكاً سلبياً بين الأحكام الشرعية الثابتة والأخلاقيات المتغيرة والبعض من الخطباء يجعل من الفعل الأخلاقي حكماً شرعياً لايتغير وبالتالي قد تعيش المرأة عدم التمييز بين الأحكام الشرعية والأخلاقيات العرفية التي قد تتغير مع تغير المجتمع أو تغير الزمان .
ولامناص من طرح محور الدور التربوي للمرأة والذي يعتبر هذا الدور هو العصب الرئيسي لتقويم المجتمعات بدءاً من الأمومة وأهمية دورها في تأسيس النسيج الإجتماعي والبنية التحتية الأخلاقيه فالأمومة هي الأصل والدعامة في البناء التنموي والثقافي وحتى في المجال الإقتصادي من دور الأمومة نزولاً إلى دور المرأة بشكل عام في تربية المجتمع تربية متلائمة مع واقع إنتمائه لأهل البيت عليهم السلام .
وقد أوضحت السيدات أن المبادرات الإجتماعية تعتبر مهمة جداً للحد من الشكليات الظاهرية في المناسبات الإجتماعية والتركيز على أصل ومبدأ الشيء .
المحور الثاني
في محور مواجهة العوائق والتحديات لتمكين المرأة ذكرت السيدات الفاضلات أن الإرادة هي أكبر نعمة من الله عز وجل على عبده فالإرادة تجعل من المريض والمعاق إنساناً فاعلاً ومنتجاً ومفكراً وتجعل من الإنسان السليم إنساناً معاقاً مشلول الفكر والحركة إذا فقد الإرادة فالإرادة هي المقوّم الأساسي لمواجهة التحديات التي تواجه المرأة إضافة الى عنصر الإيمان والعمل على أساس رضا الله عز وجل وفي هذا قال تعالى (ضرب الله مثلاً للذين آمنوا إمرأة فرعون … )
فالآية تشير إلى أن : آسية هي قدوة للرجال والنساء في إيمانها الذي واجهت به مجتمع كان يعاني أشد انواع الكفر وواجهت به زوجاً يعيش معها وقد ادعى الألوهية فعنصر الإيمان والسعي على أساس رضى الله سيجعل من المرأة شعلة مضيئة بالإيمان الذاتي تمضي وتتقدم تاركة ورائها كل السلبيات الإجتماعية والعوائق مستندة على القوة الإلهية في تمكين نفسها كعنصر فاعل في الحياة من خلال إرادة صلبة وموقف ثابت وقضية واضحة .
المحور الثالث
أما في الجانب الإقتصادي فقد نال هذا المحور مداخلات ساخنة من الأخوات مفادها أن : الإقتصاد بلاشك يعتبر الشريان الأساسي الذي يغذي كافة مجالات الحياة العلمية والعملية وبما أن الحديث في الحوارية كانت الملهمة فيه مولاتنا الزهراء (ع) فقد ذكرت الأخوات الفاضلات دور الزهراء في المجال الإقتصادي بالسعي والمطالبة بحقها من أرض فدك الذي وهبها إياها النبي الأعظم(ص) ولم تكن هذه المطالبة من أجل أهداف مادية شخصية ؛ بل كانت تهدف الزهراء الى إستثمار الأرض وإنعاش الأقتصاد آنذاك لإشباع الفقراء والمحرومين والجدير بالذكر أن المجتمع عندما يتمتع بقوة في الإقتصاد يصعب انحلاله واستدراجه نحو الفساد فكانت السيدة فاطمة (ع) تسعى وتطالب بموازنة المجتمع إقتصادياً من خلال استثمار فدك وإنشاء قوة عظمى إقتصادياً يصعب اهتزازها .
وفي زماننا المعاصر تعتبر المرأة عاملاً مهماً من عوامل النجاح الإقتصادي في ساحة الأسرة والمجتمع والدولة فأول عامل من عوامل نجاح المرأة وتمكينها اقتصادياً هو إيمانها التام بقدراتها وكفاءاتها العلمية والإبداعية والإنتاجية.
كما نوهت السيدات الى أهمية دور الأسرة في تربية الأبناء التربية الإقتصادية كأول مؤثر في حياة الإنسان ثم يأتي دور تعليم المدارس الذي يفتقر إلى مناهج وتعليم إدارة المال والأعمال والاستثمار وتنمية الوعي الإقتصادي عند الشباب والشابات .
وأكد الأستاذ سلمان الحجي على أهمية دور الزوجة في البناء الإقتصادي الأسري مستدلاً بقول الزهراء عليها السلام لأمير المؤمنين عليه السلام (إني استحي من إلهي أن أكلفك ما لاتقدر عليه) مقترحاً تقديم بحوث وأوراق عمل للنساء كتقارير منشورة .