
بقلم : نورة النمر
ارتبطت عملية الكتابة الإبداعية بأنواعِها بحالة الإلهام الذي يكادُ يكون المُنْطلَق الأساس والشرارة التي تنقَدِحُ في ذهن الكاتبِ فتتوالى بعدها خطوات العمل. وفي أجواء مختلفة يُتمّ الكُتّاب ما بدأوه كلٌ حسب طقوسه الخاصة التي يحتاجُها ليصوغ ماتمليه عليه أفكاره في قالبٍ نهائي متكامل ومن المعروف عن محمود درويش كثرة تمزيقه للأوراق أثناء الكتابة. ولم يستخدم درويش الحاسوب للكتابة، فقد كان يكتب دائماً بقلم حبرٍ سائل.) *(موقع انكتاب- مقالة الطقوس الكتابية لبعض الأدباء العرب
ترى ماذا يحتاج الأديب لتُفتح له أبواب الكتابه فيشرع في كتابة نص؟
في هذا الخصوص يقول الشاعر نزار قباني (كتاب
(القصيدة هي التي تتقدم إلى الشاعر لا العكس ، وبتعبير آخر ليس الشاعر هو من يكتب القصيدة لكن القصيدة هي من تكتبه
ويؤكد أن حضور القصيدة على الورق متأخر جداً على زمن تكونها الحقيقي وشكلها الأخير -الذي نقرؤه- هو المحطة الأخيرة التي يصل إليها القطار بعد سفرٍ طويل يصل إلى ألوف السنين الشمسية ) قد تكون لحظة مباغتة لم يعمل لها حساباً وفي وقت هاديء يقضيه برفقة كوب قهوة ، أو الاستماع لموسيقى هادئة ، أو صاخبة أو حدث صادم بمشاعر الحزن أو الفرح التي تُفجّرُ كوامنَ الكتابة ، فتتدفّق كالنهرِ دون الحاجة إلى الهدوء أو العزلة وقد لا يشكل أيٌ من ذلك فارقاً ، فيكتب المبدع نصوصه بمجرّد انبلاج الفكرة في رأسه.
بهذا الخصوص يقول جعفر عمران : كاتب وشاعر من الأحساء
على طاولة الكتابة أحرص عادة على وجود كتاب أو جريدة، وقبل البدء في الكتابة أقرأ سطوراً محددة من كتاب أو جريدة، فإن كنت سأكتب نصّاً أدبياً قرأت كتاباً – وعادة كتب معينة – وإن كنت سأكتب مادة صحفية أقرأ جريدة أو مجلة، أقرأ سطوراً، بعدها تندلع شرارة الكتابة، أترك الكتاب جانباً ثم أنطلق في الكتابة مباشرة على الكمبيوتر، أكتب بشكل متواصل من دون مراعاة أخطاء الكتابة، حتى أفرغ من حالتي،
ثم أعود إلى النص بعد أيام أو أسابيع أو شهور لتعديل وتسويد النص، وأستمر أرجع إليه بين فترة وأخرى ليس لإنهائه والتخلص منه بل لإقامة علاقة معه، والاستمتاع بتنميته وتغذيته تماماً كما تفعل الأم مع وليدها، تراقبه ينمو في كل مرحلة، كذلك الأفكار تنمو وتتطور – ويجب عدم الاستعجال في نشر النصوص الأدبية -، الكلمات تحتاج إلى حضانة ورعاية حتى تنضج وتتكامل،
أنا شخصياً لا أستعجل النشر أو الانتهاء من كتابة النص، بين الكاتب وكتاباته علاقة حميمة دافئة، بعض النصوص القصصية عندي تستمر كتابتها لعدة سنوات، خاصة التي تحمل فكرة جديدة أو فيها شخصية معقدة، تكون صياغتها صعبة، وأظلّ طويلاً أبحث عن نبرة الإيقاع المناسبة للقصة. الكتابة لفترات طويلة كفيلة بإنضاجها وتبسيطها، لأن الكاتب يكبر وينضج معها، فالحياة تمدّنا بالمعلومات والتوجيهات التي تنعكس بعد ذلك على النص.
أحياناً؛ القصة أكتبها أولاً في دفتر بالقلم الرصاص، فأستمتع بالمسح والتعديل والإضافة، ولا زلت أحتفظ بكثير من الدفاتر عندي لأنني أكتب أكثر من شكل أدبي:” القصة، القصيدة، السيناريو المواد الصحفية واليوميات”
فلكل شكل كتابي طقس معين، السيناريو واليوميات والمواد الصحفية أكتبها مباشرة في الكمبيوتر لأنها تحتاج إلى تعديل مستمر، وبعد أن يتكامل النص أتأمل الكلمات والجمل وأعدّل على النص على أقلّ من مهلي، أنقله إلى الجوال يكون قريباً منّي أطمئن عليه، وأشعر بالأمان قربه وأظلّ أرعاه، كما تفعل الأم بطفلها، فإذا اطمأننتُ لاكتماله وأنه يستطيع أن يمشي ويتسابق ويدافع عن نفسه؛ نشرته.
بالنسبة لي ربما كتابة أكثر من شكل أدبي يؤخر الإنتاج الكتابي وربما يسبب تشويش الذهن وإرهاق في التفكير، لكن بعد هذه السنوات، أرى أن هذا التنوع هو من صالح النص نفسه، ويعطي الكاتب غنى وترفاً وذهنية متّقدة ورغبة في القراءة المستمرة.
كتابة السيناريو – على سبيل المثال – تشترط معرفة بالمسرح والقصة والموسيقى والفن التشكيلي والفلكلور والتفكير الجماعي وعلم النفس.
أما تهاني الصبيح : شاعرة من الأحساء
فتقول: حقيقة القصيدة هي حالة مخاض لا إرادية تشير إلى اقتراب خروج النص مع استمرار التواصل بيننا وبينه عبر الحبل اللغوي الذي يسمح لنا بإعادة النظر في المفردة ومناسبتها للسياق أو استبدالها بأخرى أكثر إشراقاً ولا يمكن قطع حبل اللغة وتقديم النص منذ ولادته للناس إلا إذا اكتمل نموه وأصبح قادراً على مواجهة النقد ..
وعن إلهامات الكتابة تقول تهاني :الموضوعات المؤثرة في الناس كفقد شخصيات فاعلة في المجتمع أو الموضوعات الوطنية أو المناسبات الدينية كالحج وشهر الصيام وغيره
وبالنسبة لي فإن شعور الألم يجبرني على الكتابة وكذلك الحزن المفرط ، وهما مفاجأة المخاض ففي الحزن والألم يخرج النص ملتهباً مكتظاً بالوجع وبقدر ما يحمله من صدق سيؤثر في قلوب المتلقين ويجبرهم على إعادة قراءته عدة مرات أما بالنسبة للطقوس فقط أحتاج إلى الهدوء والاستقرار الانفعالي والعاطفي بعيداً عن التوتر والقلق
أما ختام النص فهو من يختم نفسه لأنني خلال كتابة نصوصي تكون هناك بنية عامة لوحدة القصيدة وبداخلها مجموعة غرف ..وفي كل غرفة نخترع فكرة لها عدة أبعاد تتداعى مع بعضها البعض لتكون وحدة واحدة وفي حالات الهطول البلاغي وجودة السقيا أجد النص يكتب بعضه ويهذب بعضة كي يشرق بهياً للناس.
ويقول علي النمر: شاعر من الدمام :
يحدث أن يعاملني الشعر بمزاجية حادة فيجفو حد القحط أو يجود حد التخمة ،لذلك حين أشرع في طلبه أكاد أتوسله .. أهذي بأي كلام يخرج على شفتي ، كأني أستدعيه ليتستقر عليها أرمي بكثير من المطالع في سلة النسيان .. حتى آنس بأحدها فأكمل ، كثيرا ما يكون مشروع القصيدة مشروع يوم أو يومين كتابةً.. لكنه مشروع تعديل لأيام تالية،
يمكن أن يجود الشعر عليّ ببعضه دفعة واحدة متشظية ، لكنها تكون عادة من بنات الصُّدَف لا من بنات القصد ولأنني كثيرا ماأعتني بأن يكون للبيت الأخير نكهة صادمة لذلك لا أجعل القصيدة تقف إلا مشحونة بالنكهة الأخيرة مااستطعت فلا أشترط حداً أعلى أو أدنى ،وإنما أكتفي بما أقنِع أنه قد أحرز القصد وبلغ سنام المأمول.
ويرى يحيى العبد اللطيف : شاعر وناقد من الأحساء
أنّ لحظة الكتابة أحيانا تكون قرارا كأي قرار معيشي شبيه بحاجتك لحلاقة ذقنك الكثة ، لكن قد تعصف بالإنسان حالة مزاجية لايشترط أن تكون في أوج الحزن أو الفرح أو النشوة ، فالمفجوع بعزيز لن تراه يستل قلمه في المقبرة ليكتب لكن حالة الفجع ممتدة ، قد تكون في بعض أطوارها تحتاج للتنفيس بالقلم
أما القرار بِختم النص فينبع أحيانا من النص ذاته أو بقناعة من الناص أن اللوحة اكتملت لكن هناك حالة ثالثة هي بتقديري الأسوأ أن ينهكك النص ويريد الشاعر ختامه ، فلايجد ختاما مقنعا وبالمناسبة أصعب بيتين في القصيدة هما المطلع والختام .
وعن بعض طقوسه الكتابيّة يذكر حسين الملاك : كاتب وباحث أحسائي أنه كاتب انفعالي يكتب ما يشعر به في تلك اللحظة لا يهم ان كتبها بقلم او جهاز او حتى ترديدها. ويؤكد: في العادة هي نصوص تحفر في ذاتي لذلك احفظها او احفظ مقاطع منها عندما ينتهي النص في داخلي ينتهي في الخارج ولا اجيد الاضافة او التعديل.
شاعرة سعودية