الجزء الرابع :
أشار الدكتور أحمد عبدالحليم عطية بأن الفلسفة في العربية المعاصرة تلوح في الأفق فهناك شيء ما غائب في عالمنا وهو دور الفلسفة في حياتنا هو دور يشمل كل جوانب هذه الحياة لكن الحقيقة أن الفلسفة محاصرة في بلداننا من جبهات متعددة : من السلطات المختلفة ومن الصورة الخاطئة لها عند العامة ..
مؤكداً أن الشباب العربي ككل والشباب الخليجي على وجه الخصوص ليس في حاجة إلى توصيات أو نصائح ..هذا زمان مضى بل في حاجة إلى فتح النوافذ فالأجيال الجديدة أكثر تطلعا منا للحاضر والمستقبل، وما علينا تقديم توصيات لهم بل تلبية الاحتياجات العصرية التي يفتقدونها لمساعدتهم على الفهم والرؤية ثم القدرة على المساهمة في ثقافة أوطانهم .. نتعرف على المزيد في سياق الجزء الرابع والأخير من حوارنا مع الدكتور أحمد عبدالحليم عطية
هل ترى أن واقعنا اليوم الذي يغلب عليه “الفكر الاستهلاكي والنفعي والمصلحي”لا يمكن أن تفيده الفلسفة في شيء أم الأمر خلاف ذلك بحيث يمكن للفلسفة أن تقول وأن تفعل؟
هل تعلمين أن شعار الفلسفة أو أيقونة الفلسفة، هي البومة منيرفا؟ وهي ليست صورة مخيفة بقدر ما هي تنبه وتحذر في لحظات الخطر. ونحن نذكر عبارة هيجل الشهيرة أن بومة منيرفا لا تخلق إلا في الغسق. وواقعنا لا يغلب عليه الفكر الاستهلاكي والنفعي والصلي، بل يغلب عليه التكفير والإبعاد والرفض والإقصاء وغياب الحضور العربي الإسلامي الفعال في حضارة اليوم. ليتنا نعي نفعنا ومصالحنا لكان خيرا بل أننا لا نعي شيئا، ليتنا نعي. ويهمني وأنا أجيبك على هذا السؤال أن أذكر بيتا للشعر كان يكرره أستاذنا الراحل الدكتور عثمان أمين، يقول:ذو العقل يشقى في النعيم بعقله واخو الجهالة في الشقاوة ينعم وقد اختار الفلاسفة أن يفكروا في كل ما يحيط بنا من مآسي يعجز كل كتاب التراجيديا عن وصفها وحتى الآن لم تعبر عنها الفلسفة؛ فالفلسفة، كما يقول هيجل، هي تلخيص لعصرها في الفكر.
هل الفلسفة اليوم مازال لها دور مهم أين يظهر دورها جليا ؟
أجيب على هذا السؤال بنفس الإجابة السابقة، وهو بنفس الوقت إجابة على السؤال التالي عليه، مستعيرا عنوان إحدى مقالات هابرماس الهامة “الحداثة مشروع لم يكتمل”؛ فأقول إن الفلسفة في العربية المعاصرة تلوح في الأفق، فهناك شيء ما غائب في عالمنا، وهو دور الفلسفة في حياتنا، هو دور يشمل كل جوانب هذه الحياة، لكن الحقيقة أن الفلسفة محاصرة في بلداننا من جبهات متعددة: من السلطات المختلفة، ومن الصورة الخاطئة لها عند العامة، ومن بعض أهل الفلسفة أنفسهم يكفي أنها ممنوعة في المدارس وفي كثير من الجامعات العربية، وعلى هذا فإن ادعوة من منبركم هذا إلى ضرورة أن تكون الفلسفة دراسة أساسية في التعليم قبل الجامعي وبعض تخصصاتها المتعلقة بالمنطق والتفكير النقدي في التعليم الجامعي.
بحكم تجربتك ومعرفتك هل من الضروري تعميم الفلسفة في كل المعاهد الثانوية والجامعية أم أن لك رأيا أخر ؟
يوضع السؤال مع السؤال السابق.
من خلال بعض القراءات نجد أن الفلسفة في الغرب متطورة بل إن هناك مشاريع لتعليم الفلسفة للأطفال لتدريبهم على التفكير السليم منذ الصغر. هل ترى أن مثل هذه المشاريع يمكن أن تخدم الواقع العربي عموما والإنسان العربي على وجه الخصوص؟
تتحدثين عن تعليم الفلسفة للأطفال في الغرب، ذلك أن الغرب منذ قرون عديدة تجاوز قضايا العصور الوسطى ومر بمراحل العقلانية والفردية والنزعة الإنسانية والتنوير، وتأكدت لديه قيم الفردية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وحقوق الأقليات والمهمشين والأطفال، وأضيف: والأجيال التي لم تولد بعد. ويتمثل الاهتمام الكبير بالأطفال في هذا السياق العام، سياق الاهتمام بالمرأة والأقليات والأطفال، في أشكال متعددة قانونية واجتماعية وسياسية.
تأتي قضية تعليم الفلسفة للأطفال بهدف مزدوج هو أن تتسع ضفاف الفلسفة لجمهور أوسع مقابل الرفض لها والحذر منها، ومثلما يتم تقديم الأعمال الروائية الكبرى ملخصة للأطفال يتم تعليم الأطفال عن طريق مناهج معدة تساعد على التفكير، هذا من جانب، ومن جانب ثان يعاد التفكير في المادة الفلسفية التي تقدم لهذا الجمهور فلا يكون محتواها متعلق بالخرافات والغيبيات بل قضايا يحياها الطفل وبشكل مبسط، وذلك التفكير العلمي والتفكير الناقد.
هل من توصيات يمكن أن تقدمها للمثقف العربي اليوم وللشباب الخليجي خصوصا حتى يهتم بالفلسفة أكثر؟
الحقيقة أن الشباب العربي ككل والشباب الخليجي على وجه الخصوص، ليس في حاجة إلى توصيات أو نصائح، هذا زمان مضى، بل في حاجة إلى فتح النوافذ. النوافذ ليس فقط بينه وبين مجالات المعرفة، بل بينه وبيننا، فالأجيال الجديدة أكثر تطلعا منا للحاضر والمستقبل، وما علينا تقديم توصيات لهم بل تلبية الاحتياجات العصرية التي يفتقدونها لمساعدتهم على الفهم والرؤية ثم القدرة على المساهمة في ثقافة أوطانهم والثقافة الإنسانية.
أترى أنك جنيت مازرعته فيما تقدمه في محاضراتك ومؤلفاتك ومجلتك في الفلسفة ؟
لأنني ما زلت أحيا فإنني ما زلت أزرع، وهو زرع ينمو ويزدهر وما لا تستطيع أن ترى ثماره ناضجة اليوم، سيراه الجميع يانعا ناضرا غدا، ويهمني أن تصل أعمالي إلى شباب الخليج ومثقفيه، اليوم وغدا. ولعل الخليج يعطي مساحة أكبر للفلسفة؛ فهي وحدها التي ستحمينا من الفكر المتطرف.
تطوي الأيام الحياة بكل مافيها من سعادة وشقاء … هل واجهتك أياما هزت حياتك؟ تسمح أن تكشف لنا عنها وكيف أعدت توازنك فيها؟
بالطبع لا أستطيع ذكر أحداث بعينها، لكنها لحظات سقوط القدوة وضياع القيم وتمزق الأوطان، وإعادة التواصل أن تكون دائما في حالة استعداد لإعادة التوازن.
“للعرفان والامتنان بصمة جميلة” ما الأسماء التي تركت بصمة في حياتك لن تنساها أبدا ؟
أولا أبواي، وأخي الأكبر، ودائما زوجتي وأبنائي، وثالثا أساتذتي، وفي المقدمة منهم يحيى هويدي، ورابعا من ارتبطت معهم بصداقة ومودة وتعاون، وهم :هشام شرابي، عبد الوهاب المسيري، وعبد الستار الراوي، الصديق العراقي.
هل تعتبر ذاتك حققت ماتطمح إليه في الفلسفة؟
لا .. إنني ما زلت أحاول وأسعى لتقديم ما بدأت صورته تتحدد، فالسعادة في السعي ربما أكثر من الوصول.
في نظرة تأمل ماذا تود أن تحقق في حياتك في المستقبل ؟
لو استطعت تحديد ما أطمح إليه لحققته، لكنني أود إكمال أعمالي العلمية التي أنجزتها، وإعادة تقديمها بعد هذا العمر الطويل وبعد خبرة السنين.
لمن تقول “شكرا – عذرا” في لحظات من حياتك؟
أقول شكرا لزوجتي وعذرا لها.
سؤال وددت أن أطرحه عليك؟
هو سؤال كنت أتمنى طرحه، وإن كنت لا أدري جدوى طرحه، عن واقع الفلسفة في بعض دول الخليج.
كلمة تود أن تختم بها تفضل؟
ذهبت إلى سوريا ذات مرة، وشاهدت بناء قديما جميلا هو محطة سكك حديد الحجاز، وانبهرت بشدة، وتمنيت أن يكون هناك قطار عربي يبدأ من أقصى الشرق من الخليج العربي إلى أقصى الغرب، المحيط الأطلسي، ذلك يعني تحقيق الوحدة عمليا؛ أعني إزالة الحدود بين أوطاننا. هل نحيا حتى نرى هذا؟
رابط الجزء الأول من الحوار :
http://juwatha.net/181438.html
رابط الجزء الثاني من الحوار :
http://juwatha.net/182007.html
رابط الجزء الثاالث من الحوار :
3 pings