
في يوم من أيام الشتاء القارص تم إحضار مريض إلى قسم الإسعاف في المستشفى وهو يعاني من عدة أمراض وقد تم فحصه من قبل فريق من الأطباء وتبين أنه يعاني من الآتي:
1- ارتفاع في معدل ضغط الدم والسكر.
2- التهابات شديدة في الصدر والجهاز التنفسي
3- آلام في المعدة.
4- التهابات في المسالك البولية (التبول اللإرادي).
وذلك على ضوء الفحوصات السريرية وتحليل الدم والأشعة وغيرها، وتقرر حاجته إلى دخول أقسام التنويم تحت إشراف استشاري قسم الباطنية وقد استدعي عدة استشاريين لفحص المريض :
1- استشاري الصدر.
2- استشاري المسالك البولية.
وبعد حضورهم ومعاينتهم للمريض دون له كل منهم وصفة طبية بالحالة التي اطلعوا عليها ، كانت هناك ممرضة ذات خبرة طويلة قالت بهمس في أذن أحد الأطباء كيف يأخذ المريض كل هذه الأدوية التي ربما تتداخل مع بعضها وقد تسبب له الضرر، قال الطبيب إنه سيدرس الحالة وسيقرر ما يناسب المريض غدا والآن ستعطى له الأدوية الضرورية والمناسبة له حاليا.
حينها قالت الممرضة إن هناك صيدليا سريريا ألحق مؤخرا بالمستشفى عليكم الاستفادة منه. عندها احمرت عينا الطبيب وبان عليه الامتعاض وقال كيف يكون الصيدلي أكثر خبرة ومعرفة مني وأنا الطبيب الاستشاري الذي كرس عمره في هذا المجال، فكتمت ما في نفسها وقالت الله يعدي الأمر على خير ويحفظ هذا المريض.
دخل الطبيب إلى مكتبه لمراجعة بعض المعلومات من الكتب الطبية والمواقع العلمية الإلكترونية وأخذته الحالة طولا وعرضا وخرج بما استطاع أن يكتبه من أدوية و نادى الممرضة بعد مدة من الزمن وطلب منها أن تحضر الأدوية العلاجية من الصيدلية.
تمتمت الممرضة فيما تعانيه من الأطباء من سوء الخط وكتابة الأدوية باسمها التجاري او بالاختصارات ومن التأخير في دخول الأدوية في الحاسب الآلي وفكرت في أن تستفيد من الوقت في أخذ المعلومات من قسم الصيدلة فيما يخص حفظ وطريقة إعداد الأدوية وتداخلاتها.
وأخذ الطبيب يفكر في نفسه أنه مؤتمن على المرضى الذين بين يديه وهم أمانه عنده، فلماذا لا استفيد من الصيدلي السريري، فأخذ يبحث في الشبكة العنكبوتية عن مجال الصيدلي السريري ودراسته وعمله.
وتوصل إلى أن الصيدلي السريري يدرس علوما متعددة للوصول إلى مستوى يقدم الحلول الصيدلانية للحالات المرضية والتي تتضمن تقديم المقترحات العلاجية والمتابعة السريرية للآثار الدوائية وتقديم النصح والإرشاد فيما يخص التعامل مع الأدوية بما يناسب كل حاله على حده وكل دواء بشكل منفرد وتأثيره على غيره.
عندها قرر الطبيب اختبار هذه القدرات التي لدى الصيدلي وطلب استشارته فيما يخص هذه الحالة المرضية وكيفية التعامل معها وخصوصا أن أدوية علاج مرض معين قد تؤدي إلى انتكاسة مرض آخر وهكذا.
وكتب في ملف المريض أنه يجب استدعاء الصيدلي للاستشارة، فلما رأت الممرضة ذلك سرت وعلتها ابتسامة وفرحة كبيرة، واتصلت بالصيدلي السريري (الإكلينيكي) وأطلعته على الحالة وطلب الطبيب الاستشاري استدعاءه بخصوصها وجاء الصيدلي بكل هدوء ووقار وسكينة حاملا بيده الكمبيوتر الصغير وقلما ودفتر ملاحظاته ووقف عند محطة التمريض مسلما ومرحبا بالجميع وسأل عن الحالة فأعطته الممرضة الملف وأرشدته إلى المريض فاطلع على تشخيص وملاحظات الأطباء وقراءة التحاليل وتقارير الأشعة ثم توجه لزيارة المريض وألقى عليه التحية وتمنى له الشفاء العاجل .
ثم سأله بعض الأسئلة ومن ثم رجع الى محطة التمريض وطلب منها بعض الوقت للمراجعة والعكوف على ملف المريض على ضوء ما جمع من معلومات عن حالة المريض وأخذ يحسب ويراجع في حاسوبه ويدرس الحالة ويدون المعلومات المهمة ثم قرر الآتي:
1- حذف بعض الأدوية.
2- تعديل بعض الجرعات الدوائية.
3- إضافة أدوية جديدة.
وكل ذلك تفاديا للتداخلات الدوائية والتقليل من فاعليتها وآثارها الجانبية ولتحقيق الهدف بأقصر الطرق و ذلك مراعاة لحالة المريض والإسراع بعملية الشفاء وعدم بقائه طويلا في المستشفى مما قد يؤدي إلى انتقال العدوى له وحاجة المستشفى للأسرة ورجوع المريض إلى عمله و الاستفادة منه في تطوير حركة الإنتاج والعمل ورسم البهجة عليه وعلى أسرته ومحبيه وأصدقائه.
دون الصيدلي التوصيات في الملف ووقع جانبها وقال للممرضة هل بإمكاني الانصراف الآن قالت ألا تريد مقابلة الاستشاري قال لها على الرحب والسعه نرجو إعطاءه خبرا وأنا بالانتظار وجلس يقرأ برهة من الزمن. قالت الممرضة عندي سؤال عابر؟!!
وهذا ليس تدخلا في عملكم أو خصوصياتكم لكن لماذا ليس هناك تناغما وتجاوبا بين الطبيب والصيدلي وبحسب علمي أن من قام بتطوير أبحاث الدواء هو الصيدلي مستفيدا من الأطباء والتطبيقات الدوائية على المرضى.
شكرها الصيدلي على سؤالها وعملها في خدمة المرضى وتلمس احتياجاتهم، وقال لها : نحن الصيادلة نسعى للرقي بالخدمات الصيدلانية في كل المجالات المتاحة لنا. ولم نبرز ولم يتح لنا المجال إلى الآن للدخول في بعض المجالات التي يمكن للصيدلي البروز فيها وذلك لعدم التناغم والانسجام ومعرفة قدرة الصيدلي السريري في التقليل والحد من الأخطاء الدوائية واستخدام الأدوية بالشكل الأمثل والتعريف بالدواء وطرق استعمالاته وحساب الجرعات وتداخلاته مع الدواء والطعام وملاءمته للمريض وطرق حفظ الدواء وتخزينه ودرجة الحرارة الملائمة لكل دواء ومدة صلاحيته وانتهاء صلاحيته أثناء الاستخدام و الطرق الفنية في إعطاء الدواء مثل الأقراص والحقن والبخاخ والشراب وغيرها من الأشكال الصيدلانية كما تعرفين ذلك.
والمريض يطمئن إلى الطبيب أولا وهذا هو المطلوب ولكل دوره من صيدلي وممرضة وأخصائي مختبر وأخصائي أشعة فالكل في خدمة المريض، وفي هذه الأثناء جاء الطبيب الاستشاري وهو يريد أن يعرف ماذا فعل الصيدلي وماذا قال عن حالة المريض ولم تنتظر الممرضة سؤاله بل شرحت له كل ما قام به الصيدلي فشكرها الاستشاري على ذلك، وقرأ ما كتبه الصيدلي. وسأل عنه ؟ فقالت له إنه جالس في محطة التمريض يقرأ .
فاقترب منه مسلما ومرحبا وقال له اشرح لي ما كتبته في ملف المريض فقام الصيدلي بإعطاء ما بجعبته عن الدواء وعن حال المريض وأخذ الطبيب يسأل بعض الأسئلة ويناقش الصيدلي فيما كتبه. وفي كل مرة يجيب الصيدلي عن الأسئلة فتبسم الطبيب لذكاء الصيدلي وإجاباته وشكره للطفه وسعة صدره، وقال له : سوف نطبق ما ذكرته وكتبته من أدوية، وأرجو أن تزور المريض معي صباح الغد لنتعرف على مدى استجابة المريض للأدوية، ثم افترقا وكل منهما يدعو للآخر بالتوفيق.
وجاء اليوم التالي وكان الصيدلي سعيدا ومستعدا للقاء وصعد القسم منتظرا عند محطة التمريض إلى أن جاء الطبيب وقد لاحظ الصيدلي الابتسامة على محياه قائلا لقد استقرت حالة المريض بشكل كبير جدا وكانت الاستشارة في محلها وبعدها ذهبا مع الفريق الطبي إلى جولتهم اليومية لزيارة المرضى.
وعندما دخلوا غرفة المريض بادرهم بالشكر وأخبرهم عن نومه مرتاح البال وزوال بعض الأعراض عنه، أخذ الطبيب والصيدلي كل منهما ينظر للآخر مبتسما ثم رجعا للمكتب وكانا يتناقشان في تغيير الخطة أم إضافة دواء جديد قال الصيدلي لنعط أنفسنا ثلاثة أيام وبعد ذلك نقرر معا ما سنفعله قال الاستشاري إذا تزور المريض معي كل يوم صباحا وهذه دعوة لك في ملف المريض وكل ما تريده من معلومات سوف تكون تحت تصرفك،وسوف نلتقي قبل نهاية الأسبوع وإذا استقرت حالة المريض سوف نخرجه من المستشفى.
وفي نهاية الأسبوع التقيا في محطة التمريض والممرضة تراقب هذا التناغم والانسجام وتتساءل في نفسها كيف تنازل الطبيب وتسامح مع الصيدلي من أجل مصلحة المريض.
ولما اجتمعا تمت قراءة التحاليل والتقارير الأخرى من زيارة الأطباء وتم مناقشة المعلومات الإيجابية وأن الأدوية بان أثرها ومفعولها وقررا إخراج المريض في اليوم التالي.
شكر الاستشاري الصيدلي مجددا وقال له سوف نلتقي في حاله أخرى إذا لزم الأمر، وسمع هذا الحوار طبيب آخر وقال لهم ماذا حدث للمريض فقال الاستشاري أشكر الله وهذا الصيدلي الذي أنارنا بعلمه وموهبته وسرعة بديهته وإحاطته بعلم الأدوية والصيدلة السريرية. فقال له :عرفنا عليه فقال له: هذا هو الصيدلي السريري الجديد لدينا بالمستشفى رحب به الطبيب الآخر وأخبره انه لديه حالة ويريد استشارته بها.
فقال له الصيدلي اكتب استدعاء وسوف أكون تحت أمرك وفي خدمة المرضى فقال الطبيب إذا نلتقي بعد ساعة في غرفة العناية المركزة وسوف أجهز لك ملف المريض، ومن هنا بدأ مشوار الصيدلي السريري في المستشفى والعمل بالتخصص الذي أحبه ودرسه وتعلمه والعمل جنبا إلى جنب مع الفريق الطبي سعيا إلى التكامل من أجل مصلحة المريض وتقديم الرعاية العلاجية والطبية له.
فني الصيدلي ..