مشاهدته الممتعة المليئة بالغموض تجذبك إلى دخول متاهة من التخمينات وتحرضك لإعادة المشاهدة أكثر من مرة هو فلم الخيال والغموض (مثلث الرعب والذي يترك علامة استفهام ضخمة إجابتها غير محددة بل هي معقودة بداخلك فأنت المُشاهد والمحلّلُ والمتخيّل والمستكشف أثر الفلم عميق يشبه أحداثه التي تدور معظم مشاهدها في بحرٍ عميق أزرق أجواؤه غامضة تشبه تلك العاصفةَ الرمادية التي هبّتْ بشكلٍ مخيف لتترك خلفها فوضى غير عادية
بداية هادئة يكتنفها الغموض :
يبدأ الفلم هادئاً مع ترك بعض التساؤلات في منزل البطلة (جيس) حيث تتواجد مع طفلها وتبدأ بعض التصرفات والأحداث الغريبة، ثم تبدأ العقدة بالتفاقُم تدريجيا بعد تركها المنزل ووصولها إلى يخت الأصدقاء ،ستكون أولى علامات الاستفهام هي : أين اختفى طفل جيس- لماذا تبدو مرتبكة وتصرفاتها غامضة ؟
العقدة يصعب تحديدها وشخصيات الفلم غير واضحة الأبعاد : ليس على المستوى الدرامي فقط ولكن على المستوى الرمزي الذي يختبيء وراء كلّ إشارة في الفلم ، العقدة يعكسها الصراع المزدوج بين البطلة وأصدقائها وبين البطلة وذاتها وثالثاً صراعهم جميعاً مع الظروف التي يواجهونها فتلك المرأة المزاجية وكثيرة العصبية لكنها في الوقت ذاته أم حنون مستعدة للقتال من أجل ابنها ا المعاق شديد الحساسية وسريع البكاء، وهنا لفتةٌ عميقة عن الصراع الداخلي للذات الإنسانية فكل إنسان لديه نزعة خير ونزعة شر لابد أن يغلب أحدهما الآخر ,البطلة كانت الشخصية المحورية والأكثر بروزاً في الفلم
فكرة الفلم:
في المشاهد الأولى بعد ركوب مجموعة الأصدقاء لليخت يشير الفلم لأسطورة العذاب الأبدي عند الإغريق سيزيف ابن آلهة الريح ايوليس الذي كان اسمه مكتوباً في احدى اللوحات المعلقة في ممرات اليخت ، بل ان اليخت مسمى باسمه (ايوليس) وفي ذلك إشارة ، إنسانية عميقة ،فالصراع النفسي وتأنيب الضمير ومايتولّد من ذلك من عذاب نفسي متكرر هذا مركبٌ في خِضمّ الحياة ،وقد اقتطع كل الناس تذاكراً لصعود هذا المركب ،سواء أخططوا لذلك أم لا .
الحبكة والأحداث المتكررة :
يتميّز هذا الفلم بأن المشهد الثاني تقريباً هو نفسه الرابع ،والمشهد الثالث هو السادس وهكذا،ولكنّه في كل مرة يعرض من زاوية أخرى ونسخة جديدة للبطلة والغموض والتساؤلات التي يتركها بداخلك ستحيلك إلى تحليلات ذهنية ونفسية.. مالذي يحدث بحقّ السماء – هل هذه المرأة معتوهة أم مصابة بانفصام شخصي أم بها مسّ من الشيطان وهل ما يحدث على ظهر السفينة خيالي أم واقعي – فمن الغريب جدا على سبيل المثال الجثث الكثيرة والمتراكمة لنفس الفتاة (سالي) في نفس المكان وبنفس الملابس،
وحين سقطت قلادتها في قاع السفينهة لاحظت عددا كبيراً من القلادة نفسها التي. تحمل صورة لها ولطفلها وكذلك وجود طيور النورس جريحة وميتة في نفس المكان وبنفس الطريقة حيث تصدمه البطلة بالسيارة وتأخذه لمكان ما فتتفاجأ بعدد النوارس الميتة وتدرك أن هذا الأمر تكرر سابقا لمرات كثيرة ،قد تدرك بعد مشاهدة هذا الفلم ،أن الرعب ليس مشهداً دامياً أو شبحاً ،أو مجموعة مجرمين أومخلوقات غريبة تطلق مادة صمغية في الفيلم لونٌ من الرعب النفسي الخوف من الذات واقتراف الأخطاء والعودة من جديد للخطأ واقع تشاهده وأنت تتساءل
لماذا لم أراقب نفسي من زاوية ثانية عندما مررت بذلك الموقف كيف كانت صورتي وكيف كان موقفي ,الرعب الذي قد تعيشه في عذابٍ نفسي يتعلق بخطأ ارتكبته في حق أحدهم أو في حق نفسك فهل يمكنك تغيير مجرى الأحداث؟!!! فكرة أنّ ذلك غير ممكن قد تثير الخوف لكن ذلك يلامس الواقع فالإنسان غالباً مايعيش داخل إطارٍ من الظروف التي تقتضي طريقاً محددة.،
النهاية الغير منتهية :
في نهاية الفلم وبعد تعرّض البطلة جيسوطفلها لحادث يتوفى فيه الطفل يدور حوار بين سائق عابر وبين البطلة ،قد يفسر لنا الحوار كل ما يحدث من تعقيدات لقد كانت في طريقها لتغادر كل هذا وتحاول المضيّ بعيداً عن هذه النقطة من حياتها ، حتى لايتكرر الصراع والمعاناة ،كما أنها كانت تعد طفلها بعدم توبيخه نهائياً مرة أخرى كما كانت تقسو عليه ،لكنها بعد أن تفقده ،تدرك أن الطريقة الوحيدة التي قد تلتقي معه هو أن تعود إلى ذلك المركب المخيف الغامض، حتى تصارع من جديد وتلقيها الأمواج على الشاطئ فتعود مرة أخرى لمنزلها وطفلها ..وهكذا -حتماً لن يمكنها استعادة طفلها من الماضي أو تغيير مجرى الأحداث الدامية والغريبة.لكنها ستبقى في أمواج العذاب وتأنيب الضمير
هذه لم تكن أنا :
عبارة رددتها البطلة محاولةً ان تقنع أصدقائها أن ما لاقوه من الأذى والقتل لم يكن منها ولكن من نسختها الثانية وتحاول تبرير ذلك بأنه الحل الوحيد للعودة إلى المنزل وتوقّف كل هذا العذاب كيف سيقتنع الأصدقاء بوجود نسخة ثانية وثالثة عنها أو يصدّقون كلامها بخصوص رغبتها في إنهاء الصراع هل سبق ورددت بينك وبين نفسك هذه العبارة هذه لم تكن أنا ؟
الفلم من تأليف وإخراج كريستوفر سميث وبطولة مليسا جورج فلم غريب لكنه رائع ومختلف وله تأثير نفسي يحرّض على مشاهدته أكثر من مرة لفكّ ألغازه .