تستبد بالطفل رغبة ملحة بالسؤال وعن طريقه يَكتشف سرَّ دهشته المنبثقة نحو الأشياء التي حوله، ولا يتوقف تساؤله النشط حتى يجد بغيته، بحيث يقتنع فإن كان خلافه سيكثر من جرعة تساؤلاته ولن يتوقف إن لم يصل لقناعه معينه وسيبقى التساؤل معلقا في جعبته حتى يتلقى ما خفي عنه، ومن هنا يأتي الدور الفعال للوالدين في كشف الحجب بطريقة مدروسة وأسلوب ذكي في الإيصال.
يجد الأب والأم صعوبة في تقديم الجواب المناسب لطفلهم، الذي يتساءل عن الأمور الغيبية، وحال الحيرة وعدم المقدرة على الجواب، يلجأ الوالدين إلى اشغال طفلهم بشيء آخر أو الممانعة عن اجابته أو اشعاره أن أسئلته خاطئة ومن المفترض أن لا يسأل عنها وأنه طفل لم يحن الأوان ليعرف الاجابة، مما يخلق في ذات الطفل عدم الثقة والتراجع عن السؤال والاكتشاف والقلق لذلك لا نستغرب أن يفقد أطفالنا قدراتهم الابداعية، لأنه بداية الابداع التساؤل والاكتشاف.
يصادف الطفل في حياته موت قريب أو صديق لهم مما يسهم في خلق حالة من الحزن والضيق والتساؤل لديه بالأخص ان كان المتوفي شخص له علاقة ودية معه، فيحاول خلال ذلك الفراق الأبدي الحاصل، أن يفهم كيفية حدوث الوفاة، ومنها لما يدفن المتوفى في التراب؟ ماهي الجنة التي سيذهب إليها؟ والكثير من الأسئلة التي قد تؤرق الأم والأب لعدم معرفتهم بالكيفية السليمة للجواب والاقناع، كما أن بعض الأجوبة الغير صحيحة تمنح الطفل الرغبة باللحاق بالمتوفي.
وحتى يتمكن الطفل من اجتياز هذه المرحلة وادراكها, يمكن تقريب وضع الموت إليه بموت نبة يُعتنى بها في منزلهم أو أي كائن حي آخر رحل من الحياة، كما أن الاستعانة ببعض القصص يساعد في ذلك ومن المهم أن تكون عملية الوصف بسيطة وسهلة يمكن للطفل تخيلها وأن لا نبالغ في ذلك مما يثير دهشة الطفل ويرغب بالمزيد من تلك المبالغات، فيرى كوبلر أنه من الأفضل حتى يتقبل الطفل واقع الموت إفهامه أن ” الموت مثل تمزق الشرنقة وتحليق الفراشات”.
ويمكن للطفل في حال الفقد أن يُترك ليعبر ويسأل بطريقته، لا أن يحرم من ذلك ويُطلب منه الصمت، فيصاب الطفل بأثار سيئة على الصعيد النفسي، فعملية ابداء المشاعر الناشئ عن صدمة الفقد الفجائي، تحسن قدرة الطفل على تقبل الموت، وأن يعي لكل شيء نهاية في هذا الكون، فمن الضروري أن يبقى الطفل خلال هذه الفترة الحرجة بمعية والديه، يتابعون أحواله السلوكية والنفسية.
الجدير بالذكر من خلال المتابعة نجد أن بعض الأسر تقدم لطفلهم تحاليل تعابير فلسفية ودينية عند محاورة الطفل، مما يجعل الوضع بالنسبة إليه أكثر غموضا، وآخرين يشبهون الموت بالنوم أو السفر وغيره، فينشأ لدى الطفل مخاوف وقلق من الذهاب إلى النوم أو السفر فمخيلته آفاقها لا حدود لها ولا يمكنه أن يسيطر عليها، كما ستلاحقه الأوهام حال اليقظة والكوابيس حال نومه.
فحسب البيئة والثقافة ومستوى الذكاء والعمر يعي الطفل الموت ولذلك يتوجب أن يتعاطى الأهل مع وضع الطفل النفسي والعاطفي بأسلوب يتلائم مع ظروفه وشخصيته.